أعرب الدكتور طارق متري المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة في ليبيا عن قلقه العميق تجاه مستقبل هذا البلد وجدد دعوته الفرقاء المتنازعين فيه إلى الحوار والاتفاق على أولوية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها. وشدد متري في حديث الى «الحياة» في العاصمة الفرنسية أن وقف التدخلات الخارجية والضغط على الأطراف في الداخل يمكن أن يضع ليبيا على طريق الحل، واصفاً الوضع القائم بالحرب الأهلية، حيث أننا إزاء برلمان شرعي في مواجهة ميليشيات تسيطر على الأرض ما انتج حكومتين، واحدة تتمتع بالشرعية وأخرى تتمتع بالقوة. وفي ما يأتي نص الحديث: هناك انطباع سائد لدى الأسرة الدولية أن ليبيا ذاهبة إلى المزيد من الفوضى. ما هي نظرتك لمستقبل هذا البلد؟ - دعيني أبدأ من إشارتك إلى الأسرة الدولية. هناك خليط من المواقف. فهناك من هو مهتم حقيقة بليبيا لكن لا يعرف كيف يقدم دعماً فعلياً لهذا البلد. وهناك من هو متردد، تارة يوحي بأن ليبيا مهمة بالنسبة إليه وطوراً ينكفئ عن الاهتمام. وهناك شعور بوجه الإجمال بالعجز سببه عدم الرغبة في التدخل العسكري في أية صورة من الصور. فالتدخل العسكري الذي حصل 2011، أحياناً أقول في غفلة من الزمن، بالطبع لن يتكرر. ففي غياب إرادة سياسية واضحة ورغبة في معالجة المشكلات الليبية وقدرة على معالجتها من الخرج يبقى أمر وحيد ترى الأسرة الدولية أنه الطريق لتفادي الانزلاق نحو الفوضى الشاملة وربما ما يمكن تسميته الحرب الأهلية، وهو طريق الحوار. والآن كل الناس تقول فليتحاور الليبيون وليتفقوا ونحن ندعمهم ولتستأنف العملية السياسية بعد الاتفاق على أولويات البناء الوطني. لسوء الحظ ليبيا كانت بلد الفرص الضائعة، اليوم يتحدثون عن الحوار والكل يرى أن لا سبيل للخروج من المازق الحالي إلا عن طريقه. منذ ثلاثة أشهر، في شهر حزيران، أكاد أقول أرى بعيني وأسمع بأذني وأقرأ على الجدران أن المواجهة قادمة بين التحالفين الرئيسيين في ليبيا: تحالف مصراتة والإسلاميين والتحالف الآخر الذي يضم فئات مختلفة اصطلح على تسميتها الفئات الوطنية غير الإسلامية أو حتى المعادية للإسلاميين. في حزيران (يونيو) كنت أرى أن الأمور ستتدهور قريباً وأننا نسير باتجاه المواجهة المسلحة ودعوت الأطراف للحوار. لكن أفشلت دعوتي لأن البعض أعتقد أن ليبيا يمكن أن تحكم بغلبة فريق على آخر. حتى لو كانت هذه الغلبة مبنية على أكثرية انتخابية. صحيح أن الفريق غير الإسلامي فاز بالانتخابات وحصل على أكثرية تفوق بكثير حتى ما توقعه البعض. لكن في بلد فيه هذا القدر من التنوع وهذه الكمية من السلاح وفيه كل هذه التناقضات والتدخلات الخارجية خاصة العربية -هناك طبعاً تدخلات دولية لكن ليست ظاهرة ولا مؤثرة -ففي بلد كليبيا كان لا بد من الحوار لكن البعض ظن أن الانتصار الانتخابي يغنيه عنه، فكان ما كان والآن يجد الجميع أنفسهم أمام الحاجة إليه. ماذا تقصد بالتدخلات العربية؟ - أقصد نوعين: الأول من دول الجوار التي تتأثر بشكل أو بآخر بما يجري مثل الجزائروتونس ومصر لا سيما أن حدودها مع ليبيا مخترقة. وهي تحاول أن تدرأ خطر انتقال العنف إليها. وقد انتقل العنف من ليبيا إلى تونس وعانت تونس الكثير من العنف الليبي. الجزائر ومصر تحاولان أن تبعدا هذا الخطر عنهما. ولم تتدخلا في شكل مباشر وهذا في ظاهر الأمر لا يناقشه أحد لكن هناك مخاوف عند الفريقين في البلد من تدخل البلدين الكبيرين. وأحياناً الخوف من التدخل هو عامل يزيد من حدة التناقضات. هناك تدخل آخر هو بمثابة دعم مالي وسياسي من دولتي الإمارات العربية المتحدةوقطر واحدة تدعم هذا الفريق وأخرى تدعم ذاك لأسباب تتعلق بسياستهما العربية عموماً. أي أن الإمارات العربية تخوض حرباً ضد الإسلاميين فيما قطر تؤيد من تسميهم بالإسلاميين المعتدلين ولها علاقات بمصراتة. لكن هذا التدخل ليس عسكرياً باستثناء القصف الذي نفذته طائرات الإمارات العربية. ليبيا تكفيها مشاكلها الداخلية يجب ألا تصبح ساحة صراع بين الدول وهذا ما كنت دائماً أحذر منه وأدعو الدول العربية إلى أن تساعد الليبيين على التفاهم عوض أن تؤيد فريقاً ضد فريق أياً كانت الاعتبارات. البعض يقول إن اللواء خليفة حفتر قد فشل وبعض الدول العربية دعمته ماذا عن ذلك؟ - حفتر شخصية لا يتفق حولها الليبيون. هناك الكثير من الليبيين ممن لا يثقون به وهناك الكثيرون من الليبيين ممن أيدوا عملية «الكرامة» بوصفها عملية تهدف إلى ضرب الراديكاليين الإسلاميين (أنصار الشريعة) لا سيما في بنغازي، فأيدوا العملية لكنهم لم يؤيدوا حفتر نفسه. هناك من تحمس لهذه العملية أيضاً لأنهم ظنوا أنها قد تسهم في إعادة الحياة إلى الجيش الليبي الذي كان في الأصل ضعيفاً أيام القذافي لا بل مهمشاً وضعف أكثر أيام الثورة. كان هناك من يأمل بأن يعيد حفتر الحياة لهذا الجيش. هل يعني ذلك أن الرهان على حفتر كان خطأ؟ - أعتقد أن الذين راهنوا عليه الآن يراجعون حساباتهم. والمشكلة الأخرى أن حفتر لم يواجه أنصار الشريعة بل وسع دائرة خصومه فواجه الإسلاميين عموماً وبعض كتائب الثوار المتحالفة مع الإسلاميين مما أدى إلى إخراج الجيش والقوى الشرعية من بنغازي التي هي تحت سيطرة الجماعات المسلحة ما عدا المطار. عندما تقول الجماعة المسلحة هل تعني الإسلاميين؟ - خليط... أكثريتهم إسلاميين لكن هناك كتائب ثوار شاركوا في الثورة متحالفون مع الإسلاميين. يقال إنه منذ تسلموا بعض الأماكن، مثل بنغازي، توقف القتال؟ - تراجعت الاضطرابات اليومية... عادة حين يسيطر طرف على مدينة ما لا بد أن يتحسن وضعها بعض الشيء لكن لا يختلف اثنان أن نسبة عالية من أهل بنغازي غير راضين على هيمنة المسلحين على حياة مدينتهم. أعتقد أن حركة حفتر زادت المشكلات تأزماً. هل حظي خليفة حفتر بدعم دول عربية أو غربية؟ ليس في الظاهر ما يؤكد ذلك. كان بعض أصدقائي الليبيين يقولون لي سوف ننتظر إذا نجح حفتر سوف يؤيده الأميركيون وسواهم أما إذا فشل فسيتنصل الجميع منه. ربما كان هذا الأمر صحيحاً... ماذا عن الحكم والسلطات؟ - هناك وضع بالغ التعقيد. فهناك مجلس نواب منتخب لم يجد مكاناً آمناً ليجتمع فيه إلا طبرق في أقصى الشرق. وهذا المجلس شرعي لأنه منتخب من الشعب في انتخابات حرة ونزيهة لا خلاف عليها ونحن في الأممالمتحدة نعمل في شكل وثيق مع مفوضية الانتخابات ونشهد على ذلك. في بنغازي حصلت هدنة سمحت بإجراء انتخابات وكانت الانتخابات في 25 حزيران (يونيو) قبل الانفجار الأمني في طرابلس في منتصف تموز (يوليو). إذن هناك مجلس نواب منتخب لكن لا يسيطر إلا على أجزاء قليلة من البلاد. ماذا عن الإسلاميين في هذا البرلمان؟ - هم أقلية ويقاطعونه بكل الأحوال. فهم شاركوا في الانتخابات ولم يفز منهم كثيرون لكن قاطعوا المجلس لأنه أولاً في طبرق المنطقة التي يسيطر عليها حفتر، وثانياً لأن انتقال السلطة من المؤتمر الوطني العام إلى مجلس النواب لم تتم بالطريقة المنصوص عنها في الإعلان الدستوري، وثالثاً وهو الأهم أن المواجهات المسلحة أدت إلى سيطرة مصراتة وحلفائها من الكتائب الإسلامية على طرابلسوبنغازي ومصراتة وسرت ومعظم المدن الساحلية، مما يعني أننا الآن أمام برلمان لديه الشرعية وانبثقت منه حكومة، تقابله كتلة واسعة من المتحالفين تسيطر على الجزء الأكبر من البلاد. وهي تملك القوة وتسيطر على العاصمة. هذه القوة الأخرى شكلت حكومة ونحن أمام حكومتين: واحدة تتمتع بالشرعية لأن مجلساً منتخباً قد عينها والأخرى تتمتع بالقوة وهي المسيطرة في عدد كبير من مدن ليبيا. ربما حوار بين الجهتين برعاية الأممالمتحدة يسهم في البحث الأولي عن وسيلة اتفاق. حاولت مرات، نظمت حوارات عدة بين القوى السياسية انعقدت من دون صعوبة، وكان الهدف الوصول إلى بعض التوافقات لكن الأمر كان صعباً. الفشل كان في حزيران عندما دعوت إلى حوار استدراكاً لما قد يحصل وقد حصل. دعوتي أسيء فهمها. باختصار، القوى الوطنية غير الإسلامية اعتبرت أنها الرابحة وأن الإسلاميين هم الخاسرون. فلماذا يريد الرابح محاورة الخاسر والحوار سيعني من منظورهم أن عليهم أن يقدموا تنازلات؟. قلت لهم المسألة ليست مسألة رابح وخاسر بل هي وحدة ليبيا الوطنية والسلام فيها وأن ما من طرف يستطيع أن يلغي الآخر. تستطيعون الفوز في الانتخابات ولكن لا إلغاء الآخرين، فلا بد من اللقاء بينكما للاتفاق على الحد الأدنى الذي يجنب البلاد الانهيار الذي جرى. هل هناك بقايا من نظام القذافي يعملون على الأرض في ليبيا؟ - أنصار النظام السابق بعضهم خارج ليبيا في مصر وتونس ومالطا وبعض الدول الأوروبية وغير راغب بالعودة إلى ليبيا وخائف على نفسه من الانتقام والاضطهاد. هذه فئة من أنصار النظام السابق. هناك فئة أخرى من داخل القبائل التي يقال إن مصالحها أيام حكم القذافي قد تمت مراعاتها أكثر من قبائل أخرى. يقال إن هناك قبائل استخدمها القذافي ضد قبائل أخرى وأن هناك مجموعات من الناس تنتمي إلى هذه القبائل ما زالت في نظر خصومها تحسب على النظام القديم. لكن أنصار القذافي ليسوا قوة ظاهرة ومسلحة. في بعض المواجهات العسكرية التي حصلت في سبها أو في غرب طرابلس في ورشفانه رفعت مرتين أو ثلاث الأعلام الخضراء. فاعتبر ذلك دليلاً حسياً على مشاركة أنصار النظام القديم في المعارك. أعتقد أن في الأمر مبالغة. ما هي حقيقة القول إن البعض يريد إخراج سيف الإسلام القذافي من السجن؟ - لا أعتقد أنه كلام جدي. سيف الإسلام القذافي معتقل في مدينة الزنتان وقد زاره ممثلون عن الأممالمتحدة (قسم حقوق الإنسان) وهو يعامل معاملة جيدة بوجه الإجمال. لكنه معتقل ولا أعتقد أنه سيفرج عنه لسبب أو لآخر. لكن أهل الزنتان لا سيما كتائب الثوار في الزنتان الذين أصبحوا قوة عسكرية يحسب لها حساب وخاضوا معركة المطار، يعرفون أن سيف الإسلام القذافي سجين مهم لا يريدون تسليمه لطرابلس ويفضلون الاحتفاظ به عندهم. طبعاً ليبيا لا تريد أن تسلمه للمحكمة الجنائية الدولية. الليبيون يعتقدون أنهم قادرون على محاكمته في ليبيا وأنهم يتعهدون باحترام معايير القضائية الدولية وأنه ارتكب جرائم في ليبيا يريدون محاسبته عليها وأنه يختزن معلومات يحتاجون إليها قد لا تكون مهمة بنظر المحكمة الجنائية الدولية. وهو موقفهم الثابت وقد أجروا محاكمات لعدد من قادة النظام السابق ما خلا عبد الله السنوسي الذي ستبدأ محاكمته قريباً لأن التحقيق معه لم ينته. لكن رئيس الوزراء السابق في أيام القذافي، البغدادي المحمودي وعدد من وزراء حكومة القذافي الأخيرة بدأت محاكمتهم في ليبيا. في رأيك ما هو الخطأ الذي أدى إلى هذا الوضع المتدهور في ليبيا؟ - هناك طبعاً أخطاء دولية وليبية. التدخل العسكري من الجو واستعجال الدول التي شاركت في هذا التدخل الانسحاب من ليبيا أدى إلى إسقاط نظام القذافي لكن لم يهيء الظروف لقيام نظام آخر وترك ليبيا في حالة قريبة من فوضى السلاح. أما الأمر الثاني فالمجلس الوطني الانتقالي الذي اعترف به العالم والذي قاد الثورة كان مستعجلاً على تسليم السلطة لمؤتمر وطني منتخب. فأجريت انتخابات كانت في اعتقادي مبكرة وسابقة لأوانها في صيف 2012. ونحن في الأممالمتحدة أشرفنا عليها بالتعاون مع مفوضية الوطنية للانتخابات. كانت الانتخابات جيدة بكل المعايير وكانت المشاركة فيها كبيرة وحماسية. لكن كيف تجرى انتخابات في غابة من السلاح ولا مؤسسات ولا قضاء وبغياب توافق وطني كاف على أولويات بناء الدولة؟ بعبارة أخرى، الانتخابات جعلت الصراع على السلطة يسبق بكثير عملية بناء الدولة. كان لا بد من مباشرة بناء الدولة قبل الاستعجال في الصراع على السلطة الذي طغى على بناء الدولة. الأمر الآخر هو أن المجتمع الدولي أنشأ بعثة للأمم المتحدة للدعم في ليبيا لكن كانت صغيرة وأعطاها مهاماً استشارية وفنية. الليبيون كانوا يحتاجون إلى أكثر من ذلك بكثير... اكتشفنا بسرعة أن هناك خراباً ولا يكفي أن يكون لديك خمسة أو عشرة خبراء لتبني الشرطة. تحتاج إلى أكثر بكثير... كان يجب أن يكون الحضور الدولي من خلال الأممالمتحدة أهم بكثير. وهناك أمر شديد الأهمية ربما كان يجب أن أذكره قبل الحديث عن الأممالمتحدة وهو أن الثورة كانت أيضاً نوعاً من الحرب الأهلية لأن هناك فئة من الثوار تريد أن تقصي من عليهم شبهة التعاون مع النظام السابق أو أن تنتقم منهم حتى لو قالت إنها تريد العدالة لكن أحياناً العدالة تعني في نظر الكثيرين الانتقام من العدو. مثلاً سن قانون العزل السياسي، وهو قريب من قانون اجتثاث البعث في العراق لا بل هو أكثر اتساعاً منه، كان الهدف منه إخراج كل من تعامل مع القذافي أو خدم الدولة في أيامه. القذافي حكم 43 سنة فعدد الذين عملوا سفراء ومدراء وعمداء كليات كبير جداً وإقصاؤهم أضعف فرص قيام الدولة وخلق في البلاد جواً يشبه استمرار الحرب الأهلية. أول ما دخلت إلى ليبيا ظننت أن الخطوة الأولى يجب أن تكون المصالحة الوطنية وأن يجري تجاوز التناقضات السابقة وفتح طريق جديد يسير فيه الجميع بشكل متساو. طبعاً هذا لا ينفي إجراء محاكمات للمجرمين ولمن اختلسوا مال الليبيين وارتكبوا جرائم بحقهم، فهذا أمر طبيعي في أي مجتمع عرف استبداداً مثل نظام القذافي، إذ يجب أن يحاكم المسؤولون عن الجرائم. لكن أن يحاكم المسؤولون شيء وأن تقصى فئة كبيرة من الليبيين شيء آخر. اكتشفت مبكراً أن المصالحة غير ممكنة والانقسام في المجتمع الليبي انقسام حاد. ما رأيك بالمجلس الوطني الليبي وبأدائه؟ - طبعاً النخب السياسية تتحمل مسؤولية كبيرة... هذه النخب ليس لها خبرة سياسية. 43 سنة من حكم القذافي شهدت موت السياسة. فكانت هناك مجموعات معارضة صغيرة تعيش في الخارج لكن أن تقود ثورة ثم أن تحكم بلداً... هذا يتطلب حداً من الخبرة والحنكة والمعرفة والثقافة السياسية لا يمتلكها هؤلاء الناس. ولا يمكن أن يرتجل رجل سياسة نفسه رجل دولة بين عشية وضحاها. هذا أمر طبيعي. المجلس الوطني الانتقالي كان متماسكاً في لحظة معينة مما سمح بالتدخل الدولي. كان متماسكاً في مخاطبته للعالم وشاءت الظروف أن تتجاوب الأسرة الدولية. قلت في الماضي في غفلة من الزمان لأن لو رجعنا إلى يومها وطرحنا الأمر على مجلس الأمن ربما كان الروس مارسوا حق النقض. كيف ترى إمكانية التحرك المقبل وهل فقدت الأمل بمستقبل ليبيا؟ - لا لست من هذا الرأي. لكن إذا استبعدنا التدخل الدولي وإذا ضمنا أن ليس هناك أي تدخل آخر في شؤون ليبيا وترك الليبيون يقررون مصيرهم بأنفسهم وإذا مورس عليهم ضغط شديد من أجل أن يتفقوا على أولوية بناء الدولة وأولها مسألة بناء الجيش والشرطة وحل مشكلة السلاح والمسلحين سنكون وضعنا ليبيا على طريق الحل. المسألة ستطول وهناك حاجة إلى وقت طويل لإعادة بناء الجيش والشرطة والقضاء وانتهاء بالإدارة، فهذا يحتاج إلى وقت لكن الأهم هو أن يسبق ذلك توافق بين الليبيين، على الأقل على مسألة عدم اللجوء إلى السلاح من أجل تحقيق الأهداف السياسية. كيف يتم التعامل بمال الدولة والعائدات وماذا يحدث في قطاع النفط؟ - مبدئياً الحكومة هي التي توزع عائدات النفط على الليبيين عن طريق المرتبات التي تدفع على نسبة عالية تبلغ 80 في المئة من القوة العاملة الليبية. ومن خلال عائدات النفط تغطي موازنة الدولة الأخرى لأن النفط المصدر الوحيد للدخل الليبي. المشكلة أنه منذ ما يقارب السنة انخفض تصدير النفط وبالتالي عائداته بنسبة مرتفعة. الآن عاد التصدير إلى الارتفاع ،700 ألف إلى 900 ألف برميل، لكن ما زال دون الحجم الذي كان عليه أي مليون ونصف مليون برميل في اليوم ، لذلك فان الدولة تصرف من احتياطها. هل استعادت الدولة احتياطها لأن هناك جزءاً مجمداً وغير معروف مكانه؟ - هناك احتياط في عهدة البنك المركزي الليبي بيد الليبيين. وهناك جزء من الأصول كانت مودعة في مصارف أوروبية أو غربية وأثبتت الدولة الليبية أن هذه الأصول هي ملك الدولة الليبية وأعيدت لها. ما هو مجمد هو أصول ليبية في الخارج باسم هيئات وجمعيات ومؤسسات وأشخاص ما زالت تحتاج الدولة الليبية أن تثبت ملكيتها لها حتى تستعيدها وبانتظار ذلك هي مجمدة. لا أحد يعرف حجم الاستثمار الليبي في الخارج... في أوروبا وأفريقيا والغرب. من هي الوجوه السياسية الليبية التي أثرت فيك ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في المستقبل؟ - سؤال صعب. طبعاً لكل من السياسيين الليبيين الذين تعرفت إليهم قدراته وميزاته. بينهم من هم واسعو الثقافة وبينهم أناس مخلصون لليبيا وتعرفت إلى شخصيات من الليبيين الذين عاشوا في الخارج ثم عادوا إلى ليبيا من أساتذة الجامعات أي أن هناك أفراداً عديدين لهم كفاءة عالية. لكن الخبرة السياسية محدودة هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم تنشأ حركات سياسية تستطيع الإفادة من قدرات هؤلاء الأفراد. الحركات السياسية الليبية ضعيفة التنظيم ما خلا الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء الذي نظموه لأن لدى الإخوان خبرة طويلة وهم تنظيم دولي. كل الأحزاب الباقية ليست منظمة. من هم الأبرز في حزب الإخوان المسلمين؟ - الكبتي وعرادي وهناك أسماء بارزة تمتلك بعض الخبرة لكن هذا الحزب تأثيره محدود وفي الانتخابات لم يحقق نتائج كبيرة في مجلس النواب ولا في صياغة الدستور. في 2012 كانت النتائج أفضل له لكن على رغم ذلك هو حزب للأقلية. ما أسمعه كثيراً أن الليبيين مسلمون محافظون (سنة مالكية) بعضهم يميل إلى الصوفية وبعضهم سلفي إنما يوجد نفور عند فئة واسعة منهم من الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية. يقولون كلنا مسلمون لسنا بحاجة إلى أحزاب إسلامية. سألتيني عن أشخاص... أريد أن أتحدث عن شخصية أثرت في لسببين، الدكتور محمد المغريف الذي كان رئيس المؤتمر الوطني العام وهو زعيم تاريخي للمعارضة الليبية عاش في الخارج رئيساً للجبهة الوطنية الليبية ومطارد من القذافي. حاول أن يقوم بدوره كرئيس للمؤتمر الوطني العام وأن يرتفع فوق الصراعات السياسية لكنه لم ينجح ولم يستطع لأنه كان بين فكي كماشة: الإسلاميون من جهة والوطنيون غير الإسلاميين من جهة أخرى، وكان حزبه صغيراً في المؤتمر الوطني العام فلم يستطع أن يحقق ما طمح إليه. لكن السبب الرئيسي الذي من أجله كنت حريصاً على ذكر اسم هذا الشخص أنني كنت التقي به دائماً وكنت أشعر أنني أمام رجل يطرح أسئلة كثيرة، وينظر إلى المستقبل البعيد وليس فقط مشغولاً بالحسابات المباشرة. كان سفيراً لليبيا في الهند عام 1978 واستقال عام 1980 بسبب خلافه مع القذافي وظل حتى 2011 أي 31 سنة زعيماً للمعارضة. على رغم ذلك قانون العزل السياسي كان سيطاوله. فهو عوض أن ينتظر أن يقصى بموجب هذا القانون استقال وغادر ليبيا بكرامة ولباقة تستحقان الاحترام. هل تعتقد أن بعض الوجوه الذين كانوا في عهد القذافي وهم في الخارج بإمكانهم العودة للقيام بأي تحرك؟ - استبعد ذلك. هناك بعض الذين عملوا مع سيف الإسلام القذافي في السنوات الأخيرة ممن يلعبون اليوم دوراً في الحياة السياسية في ليبيا. مثل من؟ - الدكتور محمود جبريل له دور كبير في الحياة السياسية. كان تعاون في فترة محدودة مع سيف الإسلام لكن نعود إلى قانون العزل السياسي. فجبريل وهو زعيم حزب كبير، محروم من حقوقه السياسية بسبب هذا القانون. ربما مجلس النواب الجديد يعدل هذا القانون أو يلغيه لكن التحدي الأكبر أمام مجلس النواب الحالي أن يتجاوز المقاطعة لأن هنالك أقلية من أعضائه تقاطعه. لماذا لم يتمكن لبنان من اكتشاف أي شيء عن اختفاء الإمام موسى الصدر؟ - هناك من هو أكثر علماً مني يلاحق هذه القضية باستمرار. أنا عندي اهتمام شخصي بهذا الأمر ولو أن مسؤوليتي كانت أممية وليست لبنانية. هذا دفعني دائماً لسؤال الليبيين وملاحقة هذا الموضوع ودعوتهم للتجاوب مع عائلة سماحة الامام. وكان مطلب العائلة الأساسي أنهم يريدون معرفة الحقيقة. فالعائلة لا تريد تعويضاً مالياً بل معرفة إذا كان الإمام ما زال حياً وإذا لم يكن حياً يريدون دليلاً أو شهادة من أحد المسؤولين عن إخفائه. حتى الآن لم يصلوا إلى أي دليل. السلطات الليبية كلفت قاضياً بملاحقة القضية لكن القضاء الليبي قدراته محدودة وعدد الذين اختفوا في ظروف غامضة وأخفيت جثثهم ولا يعرف عنهم شيء كبير جداً في ليبيا. فالمسألة ليست بهذه السهولة. من المسؤولين الذين لعبوا دوراً يومها ليس هناك إلا عبد الله السنوسي ويبدو أنه حتى الآن لم يدل بمعلومة واحدة عن قضية الإمام موسى الصدر وقابله وفد لبناني لمدة خمس ساعات عندما كان في موريتانيا لكنه لم يعط معلومات جدية لا في طرابلس ولا في موريتانيا. هل أنت متشائم في شأن مستقبل ليبيا؟ - أنا قلق على مستقبل ليبيا وأخشى أن يضيع الليبيون فرصة. ما أخشاه أن في ظل استمرار الوضع الحالي وعدم وصول إلى توافقات سياسية أن تصبح ليبيا مناطق نفوذ لمجموعات مسلحة مختلفة تتفق حيناً وتختلف حيناً آخر وتتعطل الحياة الاقتصادية فيها وتتركها السفارات كما هي الحال الآن. عندي مقدار من القلق والليبيون قلقون جداً والكثير غادر ليبيا ويتردد في العودة. كثيرون في تونس. هناك من يعطي أرقاماً خيالية عن وجودهم في تونس. وأنا ألتقي ليبيين في الطائرات غادروا بلدهم كانهم قطعوا الأمل من العودة إليه ويتحدثون عن ليبيا بصيغة الماضي بالأسف والحزن وهذا أمر مقلق جداً.