إرادة حديدية قهرت كل المحاولات، وأجْلت الحقيقة للعيان دون مراء، إنها المرأة.. إرادة صلبة وعزيمة صادقة أضحت مع بزوغ الفجر السعيد تكشف عن دورها وعظيم إنجازاتها، وقد حاول البعض تغييبها، فباءت محاولاتهم الحثيثة بفشل ذريع، ويا للعجب من جهود تبذل وعزائم لا تتوانى يوما بعد يوم في محاولات لتحطيم إرادة المرأة وكسر عزيمتها. إلا أن هناك من المنصفين الذين يبحثون عن الحقيقة ويكتشفونها ويسلطون الأضواء عليها ليجلوها بحقائقها أمام الأنظار، ليدركوا حقيقة قد تسامت، هذه الحقيقة برزت في كتاب سطر بعنوان بديع يحمل (المرأة الإرادة والتحدي) للدكتور علي بن عبدالعزيز العبدالقادر، وهو أحد أولئك المنصفين الذين يسعون إلى الحقائق دون غيرها، فأبرز في طيات كتابه نهضة حضارية ورقيا فكريا زاهرا للمرأة السعودية، كتاب يشتمل على مجلدين، يقع في زهاء 715 صفحة شمل كل حرف منه مصداقية وتوثيقا. ابتدأ الكتاب بابه الأول بالنهضة التعليمية للمرأة السعودية ليصل بالقارىء إلى أصل مكين لهذا القرار، والذي تمثل لقرابة ألف وأربعمائة سنة من خلال تعليم المرأة في الحضارة الإسلامية، باستشهاده لأحداث وروايات أثبتت الحق التعليمي للمرأة المسلمة عبر كافة العصور، وهي توطئة تمهيدية للعبور بالقارئ إلى الخلفية التعليمية في بلادنا العزيزة، ولم يترك المؤلف القدير قارئه يدور في صراع مع نفسه حول الأسباب في تأخر تعليم المرأة والصراعات التي حدثت إبان تلك الأيام، لينقل له الأسباب والمتمثلة في أمور: (العامل الاجتماعي، العامل الاقتصادي، العامل الثقافي) وليشير بعد ذلك إلى ردود الأفعال الناجمة عن إقرار التعليم للبنات وضوابطها وقيودها المفروضة على رئاستها، ليقفز بعدها المؤلف ليقدم لمحات كبيرة وبناءة عن الانطلاقة التعليمية للمرأة السعودية، وكيف أنها انبثقت من مرسوم ملكي لجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز سنة 1379ه حيث حمل ذلك المرسوم الأسس التربوية التي يبنى عليها النظام التعليمي للبنات، وكيف أن وثائق جاءت بعدها لترسم الملامح العامة لتعليم البنات، وقد بين من خلال ما سبق ملامح تاريخية عن النظم التعليمية للبنات وكيف مرت بمراحل قبل أن تستقر على ما عليه من حرص وعناية من قبل الدولة رعاها الله، ليستطرد المؤلف بعدها لأنواع التعليم العام المتاح للمرأة السعودية أن تشارك فيه وتساهم، وكيف كشفت تلك الصفحات عن حرص واهتمام من لدن الحكومة المظفرة بتوفير تعليم شامل وكامل لكافة المراحل العمرية للبنات، وحتى فرص الإبداع في الدراسات العليا، وكافة التخصصات التعليمية المتاحة وصولا إلى البعثات الدراسية في الخارج والتي كشفت عن المقدرة الكبيرة للمرأة السعودية، والتي أبرزت لنا فيما بعد مواطنات أحببن هذه البلاد فقدمن وابدعن، وبعد استطراد موثق وشامل لكل المراحل التعليمية المتاحة، نقل لنا المؤلف وبإحصاءات رسمية موثقة النتائج الباهرة والتي تكللت بنجاح ساحق في التطور التعليمي للمرأة والذي نتج عنه فيما بعد مثقفات ومعلمات يعملن في وظائف الدولة ومنشآتها. وسطر لنا الكاتب في بابه الثاني عن النهضة الثقافية للمرأة السعودية ومقوماتها وركائزها التي تقوم عليها، وعوامل نهوضها ووسائل رقيها وتنميتها، قبل أن يشير بعد ذلك إلى باب عظيم في مكانة المرأة في الإسلام وحقوقها العامة، وعدد حقوقها الثقافية وقد ربط هذه الحقوق بشواهدها التي توثقها وتؤكد من شرعيتها، ومصداقيتها باستعراضه نماذج مشرفة لنساء مسلمات وثقت سيرهن قدوة وإجلالا وإكبارا، وقد شملت تلك النماذج ميادين شتى ومتعددة في الدين والطب والشعر والتدريس والقضاء والتجارة وغيرها، وليشير لنا المؤلف بعد ذلك بتسلسل منسق عن السياسة الثقافية في البلاد وأطر برامجها وماهيتها العامة، ولينقل لنا صورة شاملة عن الحقوق الثقافية للمرأة السعودية وشواهد مشرفة لمكانة المرأة السعودية لدى قادة البلاد، ونجد منهن الاميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي عمة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراهما -، حيث كان لها دور كبير في تكوين شخصية الملك عبدالعزيز وزرع الشجاعة والشهامة في قلبه، ليعرض لنا المؤلف بعد ذلك نماذج لنساء سعوديات مثقفات أنرن المشهد الثقافي وساهمن في نهضته المتقدمة. ولينقلنا المؤلف في بابه الثالث إلى باب كبير وشائك تناوشت من خلاله أطروحات كثيرة لا نزال نعايش أحداثها، متمثلا في عمل المرأة المسلمة، وليكون مدخل المؤلف واقعيا وصادقا حيث تناول الرأي الشرعي لعمل المرأة المسلمة واستعرض الأدلة والنصوص من الكتاب والسنة والشواهد التي تؤيد عمل المرأة المسلمة، وبين وبإيجاز الأسباب التي أدت إلى جهل البعض بحقوق الناس وتفاقم هذه النظرة السوداء، ليكون مسلكا هاما لتناول الدوافع الرئيسية لعمل المرأة وأهميته الملحة لذلك، وقد استطرد في نقاط أبرزت تلك الملامح وسبل تكونها وتشييدها، ويستعرض بعد ذلك حقوقا شاملة للمرأة السعودية خارج الأسرة متمثلة في الحقوق الوظيفية والإجازات والرواتب وغيرها من حقوق باتت المرأة تنالها وبكل استحقاق شاملا في ذلك الحقوق في القطاعات العامة والخاصة ولينهي بعدها هذا الباب بمجالات القطاع الخاص والتي أتيحت للمرأة وحققت فيها نجاحات، وقد استعرض في ذلك سجلا تجاريا لسيدات الأعمال السعوديات توثيقا لنجاحهن. لننتقل بعد ذلك إلى المجلد الثاني من الكتاب، مفتتحا إياه ببحث ميداني قويم من إعداد طالبات بالمرحلة الجامعية، وتحت إشرافه لهن عن موقف المجتمع من عمل المرأة في المملكة محتويا على استطلاعات هامة لآراء الكثيرين على هذا الموضوع الجدير بالاهتمام، وقد عُني بخاتمة البحث بخلاصة هامة وواقعية وتوصيات قويمة، ولنصل بذلك إلى درة السفر متمثلا في سير ذاتية من نساء سعوديات قد أثرين كافة المجالات اللاتي عملن فيها من كافة القطاعات أيا كانت، والجميل أنهن سطرن تلك السير باقلامهن وبأسلوبهن، فحكمن عن تجربة قد عايشنها وعن معتركات قد عانين منها وتغلبن على كافة المعوقات واجتزن بنجاح كافة العقبات. ومن خلال استعراض بسيط لموضوعات هذا الكتاب، بين لنا الدكتور علي العبدالقادر مدى التناسق في طرح الموضوعات، وقد بدت كل منها مدخلا للأخرى ومستندا تقوم عليها، ويصدق الدكتور علي عندما بين الأسباب التي دفعته لتأليف هذا الكتاب بعدم تواجد كتاب يحصر الحقوق التي تبين نهج المرأة ومكانتها ومنجزاتها في كافة المجالات وخاصة نجاحاتها في العصر الحديث، وجمعها بين دفتي كتاب. وختاما يحق لمن كانت موضوع هذه الصفحات وحملت كل تلك المنجزات والنجاحات أن تنال كل الاحترام والتقدير.