انصرم عام (2009م) قبل أيام مخلفاً كماً كبيراً من الكتب العربية والمترجمة والمحققة في العلوم والآداب والإبداع، وعلى الرغم من كثرة العناوين التي أفرزها الفكر الإنساني ولفظتها المطابع إلا أنك لا تظفر بالكتب التي تمثل قمة الفكر الإنساني إلا في عناوين قليلة قد تصل إلى 25٪ من الإنجاز المعرفي، وهي بلا شك ترفد العقل العربي وتسهم في بناء العلوم الإنسانية، وهي وجه الثقافة العربية أمام ما تقدمه المجتمعات الأخرى في أنحاء المعمورة. (ثقافة اليوم) طرحت على جمهرة من المثقفين الذين تابعوا إنجازات الفكر الإنساني خلال العام الفارط، فاختاروا هذه العناوين من كتب في التاريخ والفكر والثقافة والنقد، فماذا اختار هؤلاء؟ الناقد الأستاذ عثمان الغامدي يرى أنه مع حُمَّى التأليف وهوس الطبع بات من القليل العثور على كتاب قيم يبقى أثره واضحاً بيننا، ويدرك حينما قرأه أن هذا الكتاب يسد ثلمة في المكتبة العربية ويضيف لبنة في بناء المعرفة العربية، وحينما استرجع بذاكرتي الكتب التي قرأتها من الأهمية وهو كتاب ذكره كثيرون وأثنى عليه كثيرون أيضاً، ومعرفتنا بمؤلفه تجعلنا نتوقع منه مثل هذا الإنتاج، والكتاب - أخي أبا فراس - هو كتاب (ذاكرة الرواق وحلم المطبعة) للصديق والأستاذ حسين بافقيه، ففي زعمي أن هذا الكتاب نقطة مضيئة بشكل لافت في الكتب العربية الحديثة. ويؤكد الغامدي على أهمية الكتاب قائلاً: إذ قلب بافقيه بكتابه هذا كثيراً من الموازين وحرك الراكد في ثقافتنا العربية وذلك بعدم استسلامه للجاهز من المقولات التي اعتدنا أن نصدقها لمجرد ثقافتنا في مصادرها. يأتي ذلك حينما يتصدر لعمل مثل هذا ناقد كبير يتمتع برهافة في الحس عالية، ورؤية نقدية عميقة، فلم يستسلم لما أسماه بالعمى الثقافي، ولم يقبل بما كان يروج عن ثقافة القرون الثلاثة التي عالجها الكتاب من أنها ثقافة منحطة بكل المقاييس، وفي مجمل الفنون والعلوم، وأنها ثقافة طغى على صميم المعرفة فيها الزخرف اللغوي، وأضحى هو الهدف المنشود من التأليف. القارئ لكتاب (ذاكرة الرواق وحلم المطبعة) سيجد بلا أدنى شك المعلومة الجديدة في لغة بافقيه الرصينة البيانية التي اعتدنا عليها. أرجو فعلاً من كثير من مديري المنابر الثقافية في بلدنا الكبير المتعدد الثقافات وأخص بذلك نادي مكة الثقافي أن يلتفتوا إلى هذا الكتاب، ويولونه شيئاً من اهتمامهم. ويختم الناقد الغامدي رؤيته عن هذا الكتاب بقوله: إنه لو كان لي مساهمة في ترشيح كتاب لنيل جائزة ما لرشحت هذا الكتاب، ولا أقول بهذا لولا أني قرأت الكتاب جيداً، وأحدث فيَّ هزة لم أشعر بها مع كثير من الكتب. من جهة أخرى تختار الروائية قماشة العليان كتاب (جدلية المتن والتشكيل... الطفرة الروائية في السعودية) للناقد الدكتور سحمي الهاجري لكونه دراسة نقدية موسعة ويمثل أفضل الكتب التي قرأتها في العام المنصرم. وتضيف الكاتبة قماشة قائلة: إن الكتاب يتوغل البحث في الأشكال الروائية ووظائفها الدلالية العامة مثل الشكل السيري وما ينطوي عليه من تفريغ الذاكرة والجنوح النستولوجي وروايات الأسلوب الشعري ما تفتحه من آفاق التأمل والحلم وروايات الباحث الصوفي والأسطوري، وروايات الشكل التركيبي الملتقية مع البنية المفتوحة ويوضح فيه من خلال كم من الروايات بين ما أصدره الرجل في سنة الذروة (2006م)، بواقع (23) رواية نسائية في مقابل (26) رواية للرجل، تفوقت في طرح مشكلاتها بوعي ذاتي، بين العميق الغائر في كينونتها الأنثوية وبين حقوقها الإنسانية ومتطلباتها المادية والنفسية والجنسية، ويلفت إلى مساندة المرأة الناقدة للمرأة الروائية، ويعتبر أن كل أمر يتعلق بالمرأة كان في غاية الحساسية، لارتباطها في الذهن الجمعي بالجسد المدنس، ولذلك يفسر الدكتور سحمي تضخيم الأمور المتعلقة بالأنثى، خصوصاً إذا ارتبطت بالدين، لا سيما أن بعض الروايات تزايدت فيها المقاطع «البرونوجرافية» على «الأيروتيكية» ربما على سبيل الاحتجاج والمشاغبة، أو لضرب المجتمع المدني للطهرانية. حسن السبع القاص والكاتب محمد علي الشيخ فيبدو أنه لم يستوقفه أي كتاب صدر في العام الماضي، لذلك جاء مختاراً لنا عنواناً لكتاب صدر قبل سنوات وهو كتاب (علم التاريخ) للبروفيسور هرنشو والذي ترجمه الدكتور عبدالحميد العبادي، إذ يقول عنه: وزع المؤلف بحثه على سبعة فصول تناول فيها الكلام على التاريخ من أقدم العصور، وفوائده، وعلاقاته بغيره من العلوم. ولما كان قد أشار إشارة عجلى في ختام الفصل الثاني إلى التاريخ عند العرب فقد رأى المترجم أن يتبع ذلك الفصل بفصل من عنده عقده لعلم التاريخ عند العرب خاصة، كما أورد المؤلف في بحثه طائفة كبيرة من أعلام التاريخ والفلسفة والعلماء والأدباء. ويمضي الشيخ موضحاً سر اختياره: من بين ما قرأت من الكتب القديمة في مستهلات الإطلالة على المعرفة هذا الكتاب الصادر قبل مولدي بثلاث سنوات وأزعم أنه - رغم ميولي الأدبية - كان أكثر تأثيراً من كل ما قرأت في تلك المرحلة المبكرة؛ ليس في مجال التاريخ فحسب، بل تعداه إلى العلوم الإنسانية الأخرى. ومن تجليات هذا التأثير أنني أصبحت حريصاً على اقتناء كل المكتوب في علم التاريخ وفلسفته ونقده، وتشكلت عندي آليات منهجية في فهم النصوص ونقدها، وطرائق كتابتها، ولعل من الطريف أنني تجرأت في مجموعتي القصصية الأولى (العقل لا يكفي) الصادرة عن مؤسسة تهامة عام (1982م) على القول: اقرأ تاريخنا واكتب أدبنا!! ومن كتب التاريخ والنقد والثقافة إلى كتاب من كتب الأدب حيث ينتقي القاص والروائي ابراهيم مضواح الألمعي كتاب (طه حسين والمثقفون السعوديون) للناقد حسين بافقيه من بين الكتب التي صدرت العام الماضي مبرراً هذا الاختيار بقوله: كم هي جليلة الخدمة التي أسداها الأستاذ حسين بافقيه لقراء الأدب من خلال كتاب (طه حسين والمثقفون السعوديون) الذي صدرت طبعته الأولى عن دار المؤلف ببيروت عام (2009م)، في (376) صفحة من القطع دون المتوسط مقسماً إلى سبعة أقسام هي: 1- مقالات طه حسين وخطبه ومقدماته وكلماته عن الأدب والثقافة في المملكة. 2- طه حسين في المملكة العربية السعودية. 3- حوارات طه حسين. 4- طه حسين في الشعر. 5- طه حسين في مقولات وحوارات. 6- طه حسين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة. 7- وثائق وصور. ويضيف مضواح: وقد قرأت عن هذا الكتاب قبل أن أراه، فتشوقت إلى قراءته، حيث إنه - من خلال موضوعه - يسلط الضوء على جانب مهم من واقع الأدباء السعوديين حتى منتصف الخمسينيات الميلادية، وكذا يضيء جانباً مهماً من حياة عميد الأدب العربي، طه حسين وشيء آخر هو أن مؤلف الكتاب معروف بالدقة والمنهجية البحثية والصلة الوثيقة بكل ما يتعلق ببدايات الصحافة السعودية، وحياة الأدباء السعوديين بعامة والحجازيين منهم على وجه الخصوص.. فلما هيئ لي العثور على الكتاب بعد صدوره بوقت وجيز لم أنفك أقلب صفحاته وأقفز فوق سطوره وكلماته، لم أخرم منها كلمة من مبتداه إلى منتهاه، وكم كانت ماتعة تلك الساعات التي عشتها مع هذا الكتاب العظيم، العظيم حقاً في موضوعه، وفي تناوله، وفي تقسيم فصوله، وفي أناقة اخراجه، من العتبات الأولى المتمثلة في العنوان والغلاف ولوحته، ونوع الورق، وحجم وتنويعات الخط، فضلاً عن الاستقصاء، والجمع والتحقيق والتعليق، ولشيء آخر هو اعجابي الشديد بشخصية طه حسين الثقافية الجبارة ولغته التي لا يملك أحد نفسه عن التأثر بها، حتىالذين ينتقدون لغته وأسلوبه، فإن ملامح التأثر بأسلوبه ولغته وتأكيداته ومبالغاته تبدو واضحة في أساليبهم، ولهذا وقع اختياري لهذا الكتاب باعتباره أهم الكتب الثقافية في بابه خلال عام (2009م). ونختتم هذه الآراء والاختيارات برؤية مهمة من الكاتب والشاعر حسن السبع لاختياره كتاب (العولمة والثقافة) لجون توملينسون ولذلك فهو يقول في الصدر: من الكتب التي قرأتها في بداية العام المنصرم كتاب (العولمة والثقافة) تأليف جون توملينسون/ ترجمة د.ايهاب عبدالرحيم محمد، الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت. وفيه يتساءل المؤلف عما إذا كان بالامكان الإبقاء على ثقافة (نقية) في ظل العلاقات الجديدة التي تشكل الحياة الاجتماعية الحديثة، بعد أن ساهم تطور الاتصالات في النقل والمعلومة إلى تزايد التقارب العالمي المكاني؟ أم ستؤدي تلك المعطيات إلى عولمة الثقافة، وتحقيق ما يشبه الهوية الثقافية الكونية؟ وبيّن من يكيل الهجاء لمفهوم العولمة من منطلق أيديولوجي أو قومي، فلا يرى في العولمة إلا جشع الشركات متعددة الجنسيات. ومن يكيل لها المديح وكأنها منزهة من السلبيات يقف مؤلف كتاب (العولمة والثقافة)موقفالباحث المرتاب أحياناًمن بعض الاستعاراتالمجازية الحديثة مثا «القرية العالمية » و«الجوار العالمي». فالأمر عنده لا يتعلق بغزل أو هجاء، كما هو شأن من يناقش هذه القضايا وله موقف مسبق لا يخدم المعرفة. الأمر لا يتعلق بذلك وإنما بظاهرة تحتاج إلى دراسة تقابل بين وجهات النظر المختلفة. ويمضي السبع موضحاً: صار الوصول إلى كل بقعة في العالم سهلاً إما بوسائط النقل الحديثة، أو من خلال تقنيات الاتصال. مع ذلك فإن العولمة لا تعني قهر المسافة المكانية فحسب، بل لا بد من قهر مسافة أخرى هي المسافة الثقافية لتحقيق ذلك التقارب، أو ما يسميه توملينسون ب(المجانسة) وهي مجانسة تكاد تكون مستحيلة حالياً إلا في حدود عالم رأس المال، حيث يسعىالوسط الاقتصادي العالمي إلى «تقليل الاختلاف الثقافي بحيث يسمح للممارسات العالمية لثقافة الأعمال الدولية بالاشتغال بسلاسة». لكنه يرى ذلك ضرباً مختلقاً من «القرب». وحين يخرج رجل الأعمال من المطار أو الفندق أو قاعة الاجتماعات باعتبارها «فضاء معولماً» سوف يشعر بحدة الاختلاف الثقافي الذي يحتل الحيز الأكبر من الحياة المحلية. هذا تقارب جزئي، وهنالك تقارب جزئي أكثر وضوحاً واتساعاً هو: «تقارب أذواق وتفضيلات المستهلكين في كافة بقاع الأرض». غير أننا قد نلحظ في هذا الجانب من المستهلكين من يرحب بالبضائع المستوردة، ويرتجف خوفاً من القيم المصاحبة لها. لذلك يركز المؤلف على نماذج أخرى من التحول الثقافي تساهم بنصيب أوفر فيما يسميه ب(الإزاحة» التي تحققها الحداثة العالمية، والتي تؤدي بالتالي إلى ما يمكن أن يسمى ب(التهجين الثقافي) الناتج عن التفاعل بين كافة الطبقات المكونة للحياة الإنسانية. ويحدد الشاعر السبع العلاقة قائلاً: أما العلاقة التكاملية بين الثقافة والعولمة فتتجلى في «الطرق التي يجعل الناس حياتهم، من حلالها، ذات مغزى بشكل منفرد وبصورة جماعية عن طريق التواصل بعضهم ببعض». بهذا المعنى قد تختفي تدريجياً الفروق الثقافية بين المحلي والكوني، وتتغير طريقة النظر إلى الذات والآخر. وبخلاف الذين يناقشون مفهوم العولمة وغيرها بلغة (جهيزة) التي قطعت قول كل خطيب، يبدو توملينسون أكثر تواضعاً وهو يتحدث عن «احتمالية كوزموبوليتانية» cosmopolis مدينة تضم خليطاً من عناصر بشرية من كل الجهات. وهي احتمالية يفكر المرء في ظلها ويتصرف كمواطن عالمي مدفوعاً بهاجس «الانفتاح على خبرات ثقافية متباينة». وهو أكثر موضوعية عندما يستخدم مفردة (وعد): «هنالك وعد بعالم ذي آفاق ممتدة.. وبتجربة ثقافية كوزموبوليتانية متنوعة وثرية». لكنه يقر باستحالة بلوغ المثال النموذجي للنزعة الكوزموبوليتانية، لأن ذلك (الوعد) لا يلغي الاختلاف والتنوع الثقافي الذي يتعذر إذابته في (قدر انصهار) واحد على المدى القريب. ومن ثم يقترح المؤلف أن يكون المواطن العالمي «كونياً وتعددياً» في الوقت نفسه، أي كونياً ومنفتحاً على التعدد الثقافي، فهو، والحال هذه، شخصية ذات بعدين يتمم أحدهما الآخر. الكتب التي انتقاها المشاركون 1- (جدلية المتن والتشكيل.. الطفرة الروائية في السعودية) لمؤلفه الدكتور/ سحمي الهاجري 2- (علم التاريخ) لمؤلفه هرنشو 3- (العولمة والثقافة) لمؤلفه الدكتور جون توملينسون 4- (ذاكرة الرواق وحلم المطبعة) لمؤلفه الأستاذ حسين بافقيه 5- (طه حسين والمثقفون السعوديون) لمؤلفه الأستاذ/ حسين بافقيه