«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الورّاقين.. من «خط اليد» إلى «انسخ والصق»!
ناسخ «الخط الرديء» قديماً يختمه بتبرئة نفسه من أي خطأ
نشر في الرياض يوم 04 - 04 - 2013

تخيل الوقت الذي يمضيه «الورّاق» في نسخ كتاب 100 مرة.. واليوم ب «ضغطة زر»
أسهب عدد من العلماء المهتمين بتاريخ "الورّاقة" ونسخ الكتب، في الحديث عن أنواع الورق والقرطاس وصناعته وانتشاره، وكذلك أدواته التي منها المحابر والأحبار والأقلام والمباري، كما وصفوا أنواع الخطوط والخطاطين وطرق تجليد ونسخ الكتب والمخطوطات، وأوضحوا من خلال مؤلفاتهم كيف أن الأقدمين كانوا يختمون ما ينسخونه من الكتب والمؤلفات بجمل من الدعاء وذكر أسباب النسخ، إضافةً إلى بعض الفوائد والتنبيهات التي تهم الناسخ الذي يقتصر دوره على نسخ الكتب المؤلفة، قبل انتشار ظاهرة طبع الكتب عن طريق المطبعة.
ومازالت كتب التاريخ تحفظ ل "فاطمة الفهرية" سبق إنشاء أول جامعة بالتاريخ القديم والمعاصر، حيث أسست عام 245ه جامعة القرويين بمدينة "فاس" المغربية، التي كانت مناراً للعلم والعلماء، ناهيك عن كونها محط أنظار النساخ والورّاقين الذين يسمونهم أهل المغرب ب"الكتّابين" الذين كانوا يستشعرون الأمانة الملقاة على عواتقهم والمتمثلة بنسخ الكتب، كما هي بدون تحريف أو تبديل أو حتى تصحيح للمؤلف، فهم نسّاخ وليسوا محققين، كما أن تحقيق الكتب جاء متأخراً قياساً بحركتي التأليف والنسخ، وعليه كان المؤلفون يختمون كتبهم ويستودعونها الله سبحانه، ويبينون حجم عقوبة من يزوّرها أو يحرّفها، مع تحذير العبث بها، أو تغيير محتواها، أو إهمال بعض مواضيعها، لذا تجد أن بعض النسّاخ يبذل جهداً شاقاً إن هو نسخ كتاب لمؤلف عرف برداءة خطه.
مكتبة قديمة تضم عدداً من المخطوطات النادرة
ومن الطريف أن "صفي الدين الأرموي" -كان من ذوي الخطوط الرديئة- تحدث عن نفسه ذات مرة وقال: "وجدت في سوق الكتب مرة كتاباً بخط ظننته أقبح من خطي، فغاليت في ثمنه واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط، فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم!".
كان النسّاخون يبرئون أنفسهم أمام الله حين ينسخون كتباً مكتوبة بخطوط رديئة، نظير ما يعانونه من صعوبة في قراءتها، كما كان كثير من العلماء والمؤلفون يهتمون بكتبهم، فيكتبونها بالألوان ويزخرفونها ويضبطون إعرابها وتشكيلها ويجلدونها قبل أن يسلموها إلى النسّاخ، وبعضهم يحتفظ بنسخة عنده للتدقيق والمراجعة.
إكمال ومتابعة
وكان الخليفة العباسي "المأمون" يعطي وزن الكتاب المؤلف أو المترجم ذهباً، كما عرف العصر العباسي أشهر الخطاطين في تاريخ الحضارة الإسلامية كالوزير "ابن مقلة" و"ابن البواب" و"ياقوت المستعصمي"، وكان بعض المؤلفين والعلماء يكملون كتب أساتذتهم أو من سبقهم، ومثال ذلك أن يتوفى المؤلف قبل إعداد كتابة فيكمله طالب من طلابه، أو أن يكتب أحدهم التاريخ منذ أن خلق الله سبحانه القلم ثم يتوفى المؤلف في سنة 310ه، كما حدث للإمام "الطبري" فيأتي من بعده مؤرخ آخر فينظر أين وقف فيكمل له.
عملية نسخ الكُتب كانت تتطلب جهداً كبيراً
وهذه العادة درجت بين علماء المسلمين كثيراً وكلمة "ذيل" عندهم تعني إكمال ومتابعة كتاب سابق والأمثلة عليها كثيرة، لا يشابهها إلاّ أن يضع أحد العلماء كتاباً فيجاريه أحد طلابه ليتمم ما لم يتطرق له أستاذه، وذلك مثل كتاب (وفيات الأعيان) ل "ابن خلكان" وكتاب (فوات الوفيات) ل "محمد بن شاكر الكتبي" المُلقب ب "صلاح الدين"، وقد أفاد أيضاً من كتاب (الوافي بالوفيات) ل "الصفدي".
استعارة الكتب
وذكر أن بعض العلماء وطلبة العلم يستعيرون الكتب ويقرؤونها، وربما نسخوها أو استشهدوا بها، مع الحفظ الكامل لحقوق مؤلفها، بل كان "ياقوت الحموي" يستعير مئة كتاب ويعيدها حال الانتهاء منها، وذلك لثقة المسؤولين به ومعرفتهم بإفادته منها وإفادة المكتبة من كتبه ومؤلفاته، كما كان ثمة غرف وردهات في المساجد ودور العلم مخصصة للقراءة، وعلى القارئ أن يحافظ على الكتاب ويدفع عوضه إن فقد أو تلف، كما عليه أن يقرأه فلا يزيد عليه أو يعلق حاله حال الناسخ، وعليه أن يعيدها في وقتها المحدد؛ لأن الإقبال عليها كان بالحجز، وإن شاء أن يمدد استعارته أو يزيد فيها فعليه إخطار المسؤول عن الجامع أو المكتبة قبل أن يطلبه أحد غيره.
وأنشأ "ابن النديم" صاحب (الفهرست) محلاً لبيع الكتب، وفرّغ الدور الثاني من المبنى كجلسات يستطيع مرتادو المحل أن يقرؤوا فيها ما يشاؤون من الكتب، حيث تقدم لهم بعض الأكلات والمرطبات، ويتبادل جلساء هذا المقهى الثقافي الأفكار العلمية في جو جميل.
سرعة نشر
وذُكر أن أحد أصحاب "الجاحظ" أبدى ملاحظة على أحد كتبه فوافقه "الجاحظ" عليها، فقال له صاحبه: "هل لك أن تصححها، فضحك الجاحظ، وقال: الآن وقد طار الكتاب بالآفاق"، وهذا دليل على سرعة إصدار النسخ للكتاب الواحد، بل إن "الجاحظ" نفسه كان يعيش ويقتات حين صباه مما تتلقفه يداه من كتب ونسخ الورّاقين، وقد تحدث عن هذا في كتبه.
نسخة قديمة من المصحف مُغلفة بجلد طبيعي
وقال أحد مفكري الغرب عن العصور الوسطى: "كان التعليم منتشراً على نطاق شامل حتى قالوا يستحيل أن تجد مسلماً لا يعرف القراءة والكتابة"، وقيل: إن أحد المتعلمين خرج أثناء حصار مراكش ليشتري طعاماً لأهله فرجع وقد أنفق كل ما معه على شراء الكتب، بل إنه بعض السلاطين والملوك كانوا يحملون الكتب أثناء سفرهم عبر قافلة من الجمال، فتُقرأ لهم أثناء الطريق، وهي ما تشبه في زمننا هذا الأقراص والأشرطة العلمية التي يصطحبها الراكب في سيارته فيسمعها أثناء السفر أو في الطرق المزدحمة.
وذكر "ابن كثير" أن أحد أبناء الشرق الأقصى أوقفه بعد الصلاة ليسأله عن معلومة وردت في كتابه فتعجب "ابن كثير" من سرعة وصول الكتاب إلى تلك البلاد.
صناعة الورق
وكان الورق قد وصل إلى المسلمين حين وقوفهم على حدود مملكة الصين، وذلك بعد معركة "طلس" في القرن الأول الهجري، حينها عرف المسلمون أسرار صنعة الورق وطوروها، حتى أن مدينة "بغداد" تميزت بها وتقدمت بصناعتها وصدرتها إلى الممالك والعواصم الإسلامية الكبرى ك"دمشق" و"القاهرة" و"قرطبة"، ومنها إلى "روما" وباقي مدن أوروبا، حتى لقد تعاظم إنتاج الورق حينها وتحسنت نوعيته وانخفض سعره بفعل المنافسة وانتشار الصنعة، بل لقد كانت معامل "دمشق" هي المصدر الرئيس الذي يزود أوروبا وآسيا الصغرى بالورق الذي كان يصنع من "القنب" القابل للتدوير، الذي يقل سعره عن الورق المصنع من الخشب بقرابة نصف التكلفة، ناهيك عن ورق "الكتان" الذي استخدمه المسلمون كمادة خام بدلاً عن لحاء "شجر التوت" الذي استخدمه الصينيون، إضافةً إلى الورق القطني الذي جربه المسلمون أيضاً كمادة بديلة لورق "القنب".
أحبار مخفية
وقال "د. سليم الحسني" في حديثه عن صناعة الورق في موسوعته (ألف اختراع واختراع): إن ثمة مخطوطة إسلامية في مكتبة "الإسكوريال" -جنوب مدريد- تتحدث عن هذه الصنعة، يعود تاريخها إلى ما قبل تسعمئة عام، كما أن ثمة مؤشرات تدلل أن أقدم نسخة ورقية للقرآن الكريم كتبت ب "مصر"، التي انتقلت منها صناعة الورق إلى شمال أفريقيا، ومن ثم إلى "الأندلس" التي تمثل حضارة غربية للمسلمين آنذاك بجانب حضارة "بغداد" الشرقية، وهو ما أدى إلى اتساع صناعة الورق وازدهار المهن المتعلقة بها، كصناعة الأحبار والأقلام ونسخ الكتب، وكذلك ازدهار فنون الرسم والزخرفة والتجليد، حتى لقد وصف العالم التونسي "ابن باديس" في كتابه (عمدة الكتّاب) أنواعاً من الأصباغ والأحبار الملونة التي تزين بها الكتب، كما فصل في طرق وأساليب صناعة الورق، وكشف سر الأحبار المخفية، وقال المؤرخ الدانماركي "يوهانز بيدرس": "لقد حقق المسلمون بفضل صناعة الورق وإنتاج كميات كبيرة منه مآثر ذات مغزى حاسم وأهمية كبرى، ليس لتاريخ الكتب الإسلامية فحسب، بل للعالم كله".
مكتبة قرطبة
وكانت "مكتبة قرطبة" التي أحرق "الفونسو" و"إيزابلا" معظم كتبها تحوي على أكثر من ستمئة ألف مجلد، على الرغم من أنها من مكتبات العصور المتقدمة في الحضارة الإسلامية ، بل لقد احتوت مكتبة "الحكم الثاني ابن الناصر" المتوفى عام 366ه على أربعمائة آلاف كتاب لم لا ؟ وهو الذي عرف عنه حبه للكتاب، حتى إنه كان يعده أقرب وأحب إليه من عرشه، كما أن بغداد التي دمرها "هولاكو" عام 656ه كانت تحوي أكثر من (36) مكتبة وأكثر من مئة كتبي، فما بالك بعدد الكتب فيها، لاسيما وأن "حلب" التي كانت تصغر "بغداد" قد حوت في مكتبتها المعروفة ب"السيفية" أكثر من عشرة آلاف مجلد، كما احتوت مكتبة "جامع الزيتونة" بتونس على عشرات الآلاف من الكتب.
حافظ الكتاب على أهميته رغم دخول التقنية
قلم محكم الإغلاق
وفي عام 2004م ذكرت صحيفة "الغارديان" الإنجليزية على لسان "برايان ويتيكير": أن بيت الحكمة كان مركزاً لا يضاهى لدراسة العلوم الإنسانية والعلوم، بما في ذلك الرياضيات والفلك والطب والكيمياء وعلم الحيوان والجغرافيا.
و"بيت الحكمة" هي المكتبة التي أنشأها "هارون الرشيد" في بغداد في نهاية القرن الثاني الهجري وطورها ابنه "المأمون"، بل إن "المأمون" كان قد كتب إلى ملك "صقلية" يطلب منه مكتبة بلدته، حيث كانت غنية بأنواع الكتب، وحين أرسلت له خاطب إمبراطور "بيزنطة" ليبحث له عن المترجمين مع كتب كلفهم إحضارها، واستخدم "المأمون" مائة جمل لحمل الكتب والمخطوطات من "خرسان" إلى "بغداد".
وكان "المعز" حاكم مصر في القرن الرابع الهجري قد وجه في خطاب له إلى عامة الصاغة والوراقين وأصحاب الحرف بضرورة اكتشاف وابتكار طريقة تريح الكاتب من ضرورة غمس قلمه بالمحبرة واختصار ذلك بجعل الحبر داخل قلم محكم الإغلاق، وذلك عبر خطاب لا يزال محفوظاً لدى المؤرخين، وما علم حينها أنه قبل هذا التاريخ بأكثر من (150) عاماً كان ل"عباس بن فرناس" تجربة ناجحة في اكتشاف ما نسميه الآن قلم الحبر، الذي أهداه آنذاك إلى الحاكم الأموي بالأندلس قبل تجربة الطيران التي عرف بها.
المحبرة أداة الكتابة في الماضي
نسخ القرآن
وازدهرت عمليات النسخ والوراقة منذ عهد النبوة وحين وفاته عليه الصلاة والسلام، حيث تعددت نسخ القرآن الكريم، وكانت كل نسخة تحوي شروحات وتعليقات كتبها مالكوها، وحينها أمر الخليفة الراشد الثالث "عثمان بن عفان" -رضي الله عنه- بجمع هذه النسخ جميعاً في نسخة واحدة خالية من التعليقات، فوقف على مراجعتها وتدقيقها جملة من قراء الصحابة وعلمائهم وقارنوها بنسخة "حفصة" -رضي الله عنها- وجمعت في نسخة واحدة وفق قاعدة ثابتة في الأسلوب التحريري والقراءة، ما زالت تعرف إلى يومنا هذا ب"النسخة العثمانية" نسبة إلى "عثمان" -رضي الله عنه- وجميع نسخ القرآن الكريم في زمننا هذا مطابقة لها، وما أضيف لهذه النسخة سوى التشكيل بالنقط والحركات لتسهيل التلاوة.
ظهور المطبعة
وكان الجراح الأندلسي "أبو القاسم الزهراوي" "أبو الجراحة" أول من وضع الأحرف العربية على قوالب الحديد والفولاذ، واستخدمها في كتابة وصفاته الطبية، ولأنه قصر هذه الطباعة على وصفاته وأسماء أدويته، فقد بقيت فكرة طباعة الورق حبيسة العقول إلى أن قرر "غوتنبرغ" أن يستعمل الورق بدلاً من الرق باهض الثمن، وكان أول معمل للورق في أوروبا قد أنشئ في "بولونيا" في القرن السابع الهجري، وفي منتصف القرن الخامس عشر الميلادي حقق الألماني "غوتنبرغ" حلمه الذي طالما سهر من أجل إنجازه، وذلك حين صب قوالب الرصاص وحضر عليها أشكال الحروف وبدأ فيما نسميه الآن طباعة الحروف، ومن حينها أصبح بالإمكان تجنب الأخطاء التي كانت تنتج عن عملية النسخ التقليدية، كما أصبح بالإمكان طباعة أكثر من كتاب في وقت ومدة وجيزة، وهذا بدوره زاد من الإنتاج وقلل من دور اليد العاملة.
أقسام الوراقة
كانت "الوراقة" في بلادنا وحركة الورّاقين خلال القرون الأربعة الأخيرة تشهد حركة نشطة، لاسيما في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعلى الرغم من أن هاتين المدينتين لم تنقطعا أبداً عن الحركة العلمية، إلاّ أن باقي مدن وأقاليم بلادنا شهدت أيضاً حركة نشطة في النسخ والتأليف، وقد تتبع الأستاذ "أحمد العلاونة" مآل مكتبات علماء المملكة ووضع فيها كتاباً نشرته "دارة الملك عبد العزيز"، كما أن ثمة كتبا وثقت عدد المكتبات ودور الكتاب في عهد المؤسس وكذلك العقود التي تلتها، بل وضع "د. الوليد بن عبد الرحمن آل فريان" كتاباً مليحاً عن الوراقة في نجد، حيث قسمها إلى ثلاثة؛ "الوراقة التجارية" حيث ينسخ الوراق الكتب ثم بيعها، ومنها "الوراقة الحرفية" بأن ينسخ الوراق الكتب بالأجرة، وقد عُرف بذلك طوائف من النساخ على مر التاريخ، إضافةً إلى "الوراقة التعليمية"؛ وهي أن ينسخ الشيخ أو العالم كتبه لنفع الناس والانتفاع بها، وقد ينسخ كتب غيره لهذا الهدف، وأغلب العلماء على هذه الشاكلة، والنوع الثالث هو "الوراقة الخيرية" من خلال نسخ العالم أو الكاتب الكتب، ثم يقوم بوقفها على المكتبات العامة أو المساجد.
يشهد معرض الكتاب في كل عام حضوراً كبيراً من الزوار
حسن البري
وتحدث "د. آل فريان" في كتابه (الوراقة في نجد) عن وراقة العلماء وطلابهم، مبيناً أن الله أقسم بالكتاب المسطور، والكتاب المبين، وأشار سبحانه إلى بعض أدواته من القرطاس والرق والمداد وغيرها، ذاكراً أن الكتاب كانوا يتبارون في حسن البري وجودته حتى قالوا: "تعليم البري أكبر من تعليم الخط، ومن لا يحسن البري لا يحسن الخط"، موضحاً أن "الأحول المحرر" إذا أراد أن يغادر من مجلس الكتاب قطع رؤوس أقلامه حتى لا يراها أحد، مؤكداً على أن كثيرا من الوراقين التزموا بذكر أسمائهم في نهاية كل كتاب يقومون بنسخه، ولعل الباعث إلى ذلك الرغبة في الإبقاء على ذكرهم، والطمع في الدعاء لهم والترحم عليهم إلى جانب ما يتوخاه الناسخ من حفظ حقه، والثقة بما يكتب، والاطمئنان إلى سلامة النقل وصحته. وقال "د. آل فريان": أن من أغرب ما رأيت ما جاء في آخر كتاب (تحفة الناسك) بقلم "أحمد الوراقين" سنة 1343ه، حيث كتب بعض الحروف المقطعة والأرقام التي يزعم الجهلة والمبتدعة أنها تدفع حشرات الأرض عن إفساد الكتب وإتلافها! سامحه الله، وغفر له.
نسخ ولصق
وفي عصرنا الحالي شهد الكتاب وعمليات تأليف الكتب منافسات حادة من وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، فبعد ظهور الطباعة والطابعات الحديثة ظهرت المواقع والخدمات الإلكترونية التي تبعث لك الرسالة التحريرية، كما هي عبر خدمتي القص واللصق أو النسخ المتوفر؛ عبر الأجهزة الحاسوبية، كما أصبح بإمكان الباحث الوصول إلى مكتبات الشرق والغرب عبر محركات البحث الحاسوبية، كما يستطيع الباحث تحميل ما يشاء من الكتب والدوريات العلمية عبر "قرص مرن"، أو عن طريق وحدات التخزين المتوفرة والمعروفة بصغر حجمها وسعته محتواها، ناهيك عن استطاعته نقل البرامج المصورة بالألوان بل والمتحركة، كما أن بالإمكان نقل الأحداث والشواهد حية على الهواء وإعادة مشاهدتها وتغطيتها كتابياً وتحريرياً.
وعلى الرغم من هذا الزخم التلفزيوني والإذاعي وحتى الصحفي ظل الكتاب بسمو مكانته وعلو مقامه حاضراً في قلوب وعقول محبيه بل وفي أرفف مكتباتهم العتيقة.
تطور أجهزة الاتصال سهّل الوصول إلى بعض الكُتب والمعلومات
أهمية الكتاب
ومازالت المزادات والمكتبات والمعارض تلقى رواجاً وازدحاماً من قبل مرتاديها، وعليه ظل الإنتاج العلمي والرسائل الأكاديمية والعلمية مقتصرة على الكتاب التقليدي الذي قال عنه "الجاحظ" قبل أكثر من ألف عام: "إنه الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك، صامتٌ ما أسكته، بليغٌ ما أنطقته، إن شئت لزمك لزوم ظلك، وكان منك مكان بعضك"، وهو وهو الوصف الذي مازال يتمتع به الكتاب رغم أن مخاوف الآباء والمربين وحتى التربويين قد تضاعفت الآن مع دخول التعليم مرحلة الكتابة الحاسوبية، حيث يتعامل الطالب منذ صغره على الكتابة عبر لوحة المفاتيح، مما يضعف لدية قدرات ومهارات القراءة والكتابة، لاسيما الإملاء والتعامل مع الخطوط التي كانت ومازالت إحدى ركائز الدراسة وطلب العلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.