تشربت من حكمة الملوك وحصافتهم ورزانتهم حين نشأت في بيت الملك فيصل يرحمه الله ، ذلك البحر الواسع الكامن في أحشائه الدر.. واستقت من ملامح حزمه وأصول قيادته وأساليب تربيته النبيلة.. أما مبادئ الإسلام فكانت المحرك لكل الأنماط السلوكية. هي الأميرة الدكتورة لبنى بنت زكي الثنيان آل سعود حرم سفير خادم الحرمين الشريفين لدى السويد الدكتور عبدالرحمن بن محمد الجديع. ربيبة منازل الملوك وحاملة أخلاقهم وقيمهم. استحوذ الوصول إلى المراتب العلمية العليا على اهتمامها، كيف لا وهي من مدرسة بيت الملك فيصل، فكانت المراحل التعليمية متنورة ومتألقة، بدءا من درجة الماجستير من جامعة كولومبيا العريقة بتخصص التكنولوجيا التعليمية إلى مواصلتها حاليا لدرجة الدكتوراه في ذات التخصص حتى عملها كاستشارية تكنولوجيا التعليم. هي سفيرة للوطن والمملكة بالطبيعة دون صفة رسمية، ووممثلة لقيم وأخلاق الملوك بحكم التربية والنشأة.. «عكاظ» حاورتها لتتعرف على مسيرة مضيئة تحتضن في طياتها شموخ وطن وعزة ملوك وتجربة إنسان فإلى تفاصيل الحوار مع الأميرة لبنى: أكثر ما يثير فضولنا الحديث عن النشأة والطفولة.. هلا تحدثنا سمو الأميرة عنها؟ قضيت طفولتي حتى كبرت مع عمتي الملكة عفت - رحمها الله - في الرياض، حيث احتضنتني وأنا صغيرة لتتولى تربيتي، حينها كان الملك فيصل - رحمه الله - ملكا على البلاد، وكان لسيرة عمتي العطرة ومن بعدها أبناؤها وبناتها المثل الأعلى لي في كافة مناحي الحياة والدافع وراء إصراري على مواصلة تحصيلي العلمي.. وفي الحقيقة كانت عمتي عفت رحمها الله الرائدة الأولى في أفكارها النيرة وفتح المدارس للبنات والمؤسسات الخيرية التي تعنى بشؤون المرأة السعودية. الملك فيصل .. من هو في ذاكرتك وشخصك .. كيف كان يتعامل معك؟ صورة تعامله لا تزال راسخة في ذاكرتي رغم صغر سني، كان يغمرني بمحبته، فهو رغم انشغالاته بالحكم إلا أنه كان رجلا عظيما في كل شيء حتى في تعامله مع عائلته. فأذكر يومًا من الأيام سمعني وأنا أبكي فسأل والدتي ما سبب بكائي؟ فأجابته بأنها لم توافق على جلب حاجياتي التي أريدها، فأسدى لها نصيحة بقوله: إذا قلت لها لا فلا تتردي، ولا تعودي في قولك، بل استمري على موقفك بحزم تجاهها! فما كان من والدتي إلا أن اتبعت نصيحته التي أصبحت هي النهج الذي اتخذه في التعامل مع أبنائي. يقال: «وراء كل رجل عظيم امرأة».. هل كنت داعمة لزوجك في منصبه الحالي وما مدى دعمه لك؟ أنا ممن يؤمن بأن التفاهم هو أساس الزواج الناجح، ومن هذا المنطلق بنيت علاقتنا منذ البداية على أساس التفاهم والتعاون والاحترام. فبالإضافة إلى كون زوجي سفيرا فهو كاتب وشاعر ومثقف، وأنا فخورة به، وأعتقد أن ظهوري معه بأكثر من مناسبة خارج أرض الوطن يعد حافزا ودعما لنا. بالإضافة إلى تشجيعه لي والأخذ بيدي في نشاطاتي الاجتماعية لنمثل بلدنا على أكمل وجه. ما الدعم الذي قدمه لك كي تحصلي على درجة الدكتوراه في تكنولوجيا التعليم؟ تزوجت بعد إنهائي الشهادة الجامعية من جامعة الملك سعود، وتوقفت بعد ذلك عن الدراسة لمدة خمسة عشر عاما، حيث تفرغت لتربية أبنائي، بعدها راودتني فكرة إكمال تعليمي، ولا أخفيك بأن زوجي كان وراء دفعي لمواصلة مسيرتي العلمية فقد وجدت منه كل تشجيع ودعم معنوي كي أتجاوز كل المصاعب التي واجهتني لإكمال تعليمي. وهل تشرفين على تربية أبنائك شخصيا؟ لله الحمد، لدي أربعة أبناء هم «هيفاء، فيصل، سعود وسارة» والأولوية دائما وأبدا لهم، وأحاول أن أقتطع من علاقاتي الاجتماعية أو الارتباطات وأجعل كل وقتي لهم، فلا أترك أي مجال للمربية أو الخادمة لتقوم بمهامي تجاههم، وزوجي بالتأكيد كذلك يساعدني على الرغم من انشغالاته.. لقد غادرنا البلاد وهم صغارا، ودرسوا وتعلموا بالخارج، وكنت حريصة على ألا ينسوا اللغة العربية والدين، فخصصت لهم معلمة تأتي إلى المنزل لكي تعلمهم قواعد اللغة العربية وقراءة القرآن وأصول الدين. وكنت أحرص دائما على تشجيعهم بالاعتزاز بكونهم مسلمين كما أحثهم على الالتزام بالصلاة وأعاقبهم عندما يسهون عنها، لأني أرى فيها المقوم الأساسي للحفاظ على الأخلاق الكريمة. هل صبغتكم الحياة الغربية بطباعها في حياتكم اليومية أم مازلتم أسرة شرقية الطباع في التعامل والسلوك والبروتوكول؟ زوجي يغلب عليه الطابع الشرقي، وهو واسع الخيال، وشاعر متميز ولقد أصدر ديوانا شعريا بعنوان «وحي الغربة»، وله عدة مؤلفات أخرى في السياسة والدبلوماسية. كما أقام العديد من الندوات الشعرية مع كثير من الشعراء، فهو يجيد كتابة الشعر العمودي والنص النثري.. لذلك أؤكد لكم أن العمل الدبلوماسي لم يتمكن من حبس موهبته الشعرية على كثرة انشغالاته؛ كما يتميز بشخصية الرجل المتفهم غير المنغلق فكريا، وعلى الرغم من انشغاله في السفارة إلا أنه يحاول قدر المستطاع أن يوفق بين بيته وعمله. ما أفضل نص كتبه وهل تذكري لنا شيئا من شعره؟ كثيراً من أبياته نالت إعجابي، ومنها قصيدة أهداها لي في إحدى المناسبات. أحداث سبتمبر أحداث سبتمبر وقعت والسفير آنذاك كان القنصل العام لدى المملكة.. ما هي أبرز الصعوبات آنذاك؟ لا شك أن أزمة سبتمبر كانت لها تداعيات على المسلمين والعرب عامة والسعوديين خاصة. كان زوجي بحكم منصبه في تلك الفترة على اتصال مباشر مع الجهات المعنية، وكان يمضي معظم وقته في المكتب أحيانا إلى أوقات تمتد إلى الليل يتابع خلالها شؤون وشجون المواطنين والطلبة السعوديين ليقدم لهم العون الذي يحتاجونه. وما أبهجني هو تلقي زوجي للكثير من خطابات الشكر من أولياء أمور الطلبة وأهاليهم على تقديم الدعم لهم. مادا أضافت لك درجة الماجستير والتحضير للدكتوراه في تكنولوجيا التعليم كسيدة تمثل المرأة السعودية داخل وخارج المملكة؟ عند انتقالي من الرياض إلى أمريكا لم أفكر بتاتاً بدراسة هذا المجال، طموحي كان «علم نفس» تخصص طفولة كي أفيد نفسي بتربية أبنائي. وعندما أقمت هناك التحقت بجامعة «كولومبيا»، حيث اطلعت على العديد من التخصصات غير الموجودة لدينا، وقد استرعى انتباهي تخصص تكنولوجيا التعليم، وبادرت فوراً بدخول هذا المجال، وهو ما أضاف إلي الكثير وأثرى معرفتي في أهمية هذا التخصص في وقتنا الحاضر. أن وجودي في بيئة فكرية وعلمية في جامعة كولومبيا بالإضافة إلى احتكاكي المباشر مع الشعب الأمريكي بكامل شرائحه أتاح لي الفرصة للاستفادة من زيادة مخزوني العلمي والفكري والثقافي. كيف وجدت الفرق بين التعليم بالمملكة والتعليم بالخارج؟ فرق كبير جداً، فالتعليم عندنا مازال يسير على وتيرة متباطئة، ولم يحظ بالتقدم التكنولوجي على أكمل وجه، ومازال الطلاب يعانون من التلقين وعدم تطور الوسائل التعليمية، وعدم تعدد اللغات التي يجب أن يتعلمها الطفل من صغره كاللغة الإنجليزية، أيضا لغة ثانية وثالثة معها، كي لا يصعب عليهم ذلك بالكبر، كما هو حادث الآن.. أيضا عندنا مشكلة التدريب وعدم تهيئة الطالب لدخول المجال المناسب لقدراته، وهناك مشكلة المماطلة باتخاذ الإجراءات لتطوير التعليم، فضلاً عن تطوير المعلمين بحيث لابد أن يقوم المعلم بتطوير أساليب التعليم، وأن يبتعد عن أسلوب التلقين، ولابد أولاً وأخيراً أن يكون المعلم مهيئا نفسيا لكيفية التعامل مع الطالب. أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمشروع «تطوير» الخاص بالمدارس لتهيئة الطلاب والمعلمين وطبق مؤخرا.. هل وجدت أن هذا القرار لاقى صدى واسعا بقطاع التعليم داخل المملكة؟ بالطبع شكل مشروع الملك عبدالله «تطوير» نقلة كبيرة ومهمة لواقع التعليم في المملكة وأدى تطبيقه إلى تحسين البيئة الدراسية، مما سيؤدي إلى تحقيق تعليم متميز وينتج لنا أجيالا قادرة على مواكبة التطور والتنمية وأتمنى لهذا المشروع النجاح. ومما لاشك فيه فإن تطوير المناهج وإعادة تأهيل المعلمين قد تكون من أهم العوائق في هذا المشروع العملاق. لذلك يجب أن يتفهم المعلمون بأن استخدام التكنولوجيا في التعليم يحتاج إلى ابتكار طرق جديدة ومبسطة لنقل المعلومة للطالب. ما الدور الذي تقومين به كسيدة سعودية تمثل بلدها خارج المملكة خاصة بالمناسبات الوطنية؟ نفس الدور الذي تقوم به كل مواطنة سعودية تعلي من شأن وطنها في شتى المحافل في الداخل والخارج، وإبراز ما وصلت إليه الفتاة السعودية في العهد الزاهي لخادم الحرمين الشريفين. كيف نقلت صورة عن المرأة لنساء الغرب كسيدة خليجية مسلمة؟ حاولت من خلال مشاركاتي في أسبوع المرأة العالمي أن أحسن الصورة النمطية السلبية المرسخة لدى الغرب للمرأة العربية عامة والسعودية خاصة، وأن أوضح كيف كرم الإسلام المرأة وحفظ لها حقوقها. كما بينت أن التزام المرأة المسلمة بحجابها وبتعاليم دينها وقيم مجتمعها لا يحجب عقلها وتفكيرها بل قد يكون حافزا لها للحصول على أعلى الدرجات العلمية، حيث أن ديننا الحنيف حضنا على طلب العلم ولو في الصين. يقال المرأة الخليجية مازالت تعاني من الذكورية وخاصة في المجتمع السعودي، باعتقادك ماهية الأسباب؟ أحمل المرأة المسؤولية فتربية الأم للأبناء والبنات وطريقة التعامل معهم هي التي تعطى السلطة للولد، وبالتأكيد المرأة مازالت تعاني من المجتمع الذكوري والأسباب تعود إلى البعد عن الكتاب والسنة، وخلل في الموروث الثقافي وتطبيق لقوانين قديمة في المجتمع فتعديل هذا الخلل التربوي وزيادة الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمع سيساهم في تعديل وضع المرأة السعودية في المجتمع وزيادة احترام الرجل لها. أنتم سفراء للوطن مارسالتكم للعالم بإسم الوطن في ظل الأوضاع الراهنة غير المستقرة ؟ أدعوا الجميع ألا ينجرفوا خلف الشعارات الزائفة التي تؤدي إلى تدمير أوطانهم بل يجب أن يتعاونوا على تطوير بلدهم والوقوف يدا بيد في وجه كل من يحاول زعزعة الأمن والاستقرار وتشوية صورة الإسلام والمسلمين، ورسالتي تجاه المسلمين الذين اضطرتهم ظروفهم لترك بلادهم سواء للدراسة أو العمل أو الهجرة أن يتحلوا بصفات المسلم الفاضل وأن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم ويمثلوا بلدهم ودينهم بصورة مشرفة حتى نتمكن من مسح الصورة السلبية للإسلام ونثبت أن الإسلام دين سلام ومحبة وأخلاق سامية. رسالة من سفيرة الوطن لمن توجهيها داخل أرض الوطن من خلال هذا الحوار؟ أحب أن أوجه رسالة للإعلام بأن يقدم ما هو مفيد للجيل الحديث لأنه محتاج للتوعية، والإعلام وسيلة لنقل المعلومات الصحيحة لتهيئة الأجيال، وأوصى أيضا بتكثيف التوعية لتطوير التعليم بالابتكارات واستخدام وتطبيق التكنولوجيا، فالعلم هو الذي يرفع الأجيال ويرتقي به، وأشكر صحيفتكم «عكاظ» المميزة التي تهتم وتخدم المجتمع.