رغباتنا مزيج من المشاعر يقودها ما تحويه أنفسنا وتستقر على ما كتبه الله علينا واختاره لنا سبحانه .. فإن قررنا أداء العمرة، إن هي إلا لحظات ونكون أمام الكعبة الشريفة التي حبانا الله بها وأوكل ولاة أمورنا بخدمتها وخدمة أهلها، وإن اردنا الحج وقررنا في آخر فرصة إن هي إلا لحظات لاستخراج التصريح والبدء في عملية الارتحال وأدائه بكل أريحية.. وليس علي كغيري انتظار الدور والموافقة والتخوف والعودة حزينة حين لا يقع علي الاختيار والترقب السنوي للتواجد في هذا الجمع الكبير.. وأداء هذا الفرض العظيم وإكمال الركن الخامس الذي أوجبه الله على كل مستطيع.. حقاً ( وطني ليس لك مثيل). وُجِدت في بلد أمان صدح التكبير في اذني حين وُلدت وظل يداعب مسمعي حتى أدركت واستوعبت، لم تتركني أمي لحظة ولم يمت أبي جراء رصاص غادر ولم يهدم بيتي جراء اكتساح غاشم، ولم تكن الأرصفة فراشي والسماء لحافي والبرد القارس يقتل أطرافي والجوع والمرض يهلك جسدي، إن بكيت فهو لأتفه الأسباب، أنام قرير العين لا أفكر فيما سيحويه غدي فالمنزل موجود والأمن موجود والسرية آمنة واللقمة متوفرة ولله الحمد والمنة.. حقاً (بلدي ليس لك مثيل). كبرت وتقلبت في السنوات الدراسية ولم يحمل والداي عبء الدفعات المادية لدراستي منذ بدايتها حتى نهايتها الجامعية بل والعليا حتى انتهيت وتقلدت الوظيفة المناسبة وأعدت لبلدي الحق الذي عليّ له، لن يعرف هذا إلا من رأى البلاد الأخرى والتي يتكبد الطالب وذووه عناء الدفعات المادية لدراسته والتي تجعله عديم التعلم كثير الارتحال يطلب الرزق هنا وهناك تاركاً أهله وبلده حتى يصل لغايته وليس ذلك فقط بل ابتعاث لأكبر وأرقى الجامعات وتكفل بالنفقات.. حقاً (وطني ليس لك مثيل). سقمت ومرضت. ليس علي أي أمر إلا أن أذهب لأي مستوصف أو مستشفى يزخر بجميع التخصصات ووضع لكل الطبقات فقط لأنال كل الرعاية المستحقة مهما كان مرضي وعلتي، لا أحمل هماً ولا فكراً بل أعلم أن بلدي قد وفر لي جميع العلاجات مهما كانت كلفتها ومهما كانت ندرتها، بل وأخرجني للعلاج خارج حدوده تحت تكلفته، أي بلد يفعل هذا، أي بلد يتكبد الملايين بل المليارات لرعاياه وصحتهم.. حقاً (بلدي ليس لك مثيل). أسواق عامرة، بضائع متعددة، أسعار متفاوتة، أرزاق موزعة، نشتري من هنا وهناك ونختار ما يناسبنا ونتفنن بكل ما أنعم الله به علينا من لباس وأكل وضيافة دون أن نحمل هم الضريبة والاقتطاع، أموالنا لنا لا يشاركنا فيها إلا من نريد وكيفما نريد.. حقاً (وطني ليس لك مثيل). نعم عديدة لا أحصيها أنعم الله بها علينا ومن أكبرها هذا البلد . وهذا الوطن لراية التوحيد يسابق ولحسن الجوار يسعى، ولمساعدة المحتاج يهرع، وللدول المنكوبة مستضيف (وما أروع ضيافته)، فتح الرزق للجميع وأعطى عطاء من لا يخاف فقراً؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى توعد للمنفق أن يُخلف له وللممسك التلف، وأن الله وزع الأرزاق بين جميع خلقه ولن يأخذ أحد رزق أحد أبدا. فإن قال القلة بعكس ذلك، فهم للنعم جاحدون وللحق منكرون، وللحقيقة غير منصفين وعادلين، ولأموالهم مبذرون، وبعيشتهم غير قانعين، فليست الدنيا دوماً جميلة بل تتقلب بنا يمنة ويسرة وهذا الحال معلوم وليس هو ذنب وطن، بل هي الحياة وهكذا هي دوماً، أوَ بعد كل هذا نتمنى غير هذا الوطن ؟؟؟ أبداً والله، فوطني هو موطني هو أمني، هو راحتي، هو كل شيء، وحقاً ليس له أبداً مثيل. (رب احفظ أمن بلادي وأمانها وأصلح ائمتها وولاة أمرها).. اللهم آمين.