تمضي الحياة ونسابق الزمن، وننسى الأحباب والأصدقاء، ونلهث وراء السراب، في انشغالات تنسينا حتى أنفسنا. نبيع من يشترينا، ونجري خلف من يبيعنا، ونشتهي كل ما هو ممنوع، ونعزف عما هو في أيدينا، ونزهد في الأشياء التي نمتلكها ولو كانت ثمينة، ونرغب في أشياء يملكها الآخرون حتى لو كانت بخسة. غريبة هي الحياة التي تجعل البعض يضعون من يحبونهم أصفارا على اليمن لها قيمة ورقم وعدد، رغم أنهم يعرفون جيدا أن أولئك يضعونهم في خانة الأصفار التي تكون في الشمال بلا قيمة ولا رقم ولا عدد. هي الحياة التي تجعل البعض لا يستفيد من تجاربه، فيضع ثقته في أولئك الذين يأخذون ولا يعطون، ويظلم آخرين يقدمون ولا ينتظرون الرد. يقولون الحياة معادلة رياضية فيها جمع الأحباب وطرح الخصومات وتقسيم المودة والمحبة وضرب الأحقاد، ولكن البعض يضرب من أحبهم ويطرح الفضائل ويقسم العداوات ويضرب القيم والمبادئ. هي الحياة التي تسير معادلتها بالمقلوب في زمن أصبحت المصالح مبدأ، والإنسانية استثناء، والأحقاد قاعدة. الدنيا غريبة في أطوارها، فهي تعطي في بعض الأحيان من لا يعمل، وتحرم الكادح، وتقدم المتأخر وتؤخر المتقدم. والغريب أن البعض يتلذذ بمعاناة الغير ويعتبرها شطارة، ويطلق على الطيبة سذاجة، في مسيرة اختلط فيها الحابل بالنابل، فلم يعد بعضنا يميز ما بين اللون الأبيض والأسود. كل الألوان أصبحت متشابهة، طالما أن معادلة الحياة أصبحت بالمقلوب، فالبعض أصبح يسير خلف الوهم، فيرى الباطل صنعا جميلا، والحق محطة للتخلف. حتى الكتابة التي تولد في صحراء قاحلة، أصبحت كلماتها أجمل من تلك التي تكتب في واحة غناء، فالمعادلة أصبحت بالمقلوب. هي الحياة التي جعلت المكر ذكاء ودهاء، والخير غباء بل غباء مركبا، فالزمن أصبح لمن يدفع أكثر والقوم مع المنتصر. في زمن (الانبراش) أصبح المعقول لا معقولا، والاتزان تهورا، والتهور اتزانا، فالناس تجري خلف الموضة، والمألوف ممل لا يشبع رغباتها. أصبحت النفوس مقبلة على (هشة بشك) والعقول منفتحة على الردي، والأذن على سماع النشاز، والعين على الموضة، والكل في سباق نحو اللانهاية. نمضي مع الرياح دون مقاومة، ونستسلم حتى في أوج قوتنا، فالأنا حاضرة في برمجة عقولنا ونفوسنا، نقنع أنفسنا بالخطأ ونخدع عقولنا بخطأ الصواب، ونميل مع كل ريح، لم لا والأنا هي التي تقود قاربنا في بحر متلاطم الأمواج. ذكرى الموت هي الوحيدة التي تجعلنا نفرمل خطواتنا، وتجعلنا نعيد العربة لسكة التوازن، وتعود بنا لذكرى الأحباب والأصدقاء وللزمن الجميل الذي تقدم فيه الطيبة على المصالح. وبالأمس فقدنا واحدا من عمالقة كرة القدم بالشرقية والمملكة قائد فريق القادسية والدولي السابق وجدي مبارك الذي قدم الكثير في مسيرته الكروية مع ناديه والمنتخب. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله الصبر والسلوان.