منذ وقت ليس بالبعيد، كادت القروض العقارية عالية المخاطر -التي كانت تعطى لضعاف الملاءة غير القادرين على تسديدها- أن تؤدي إلى سقوط الاقتصاد العالمي. تعهد العالم المالي بصورة جماعية بعدم الذهاب مرة أخرى في هذا الطريق وإقراض المال لأشخاص لا يعتبرون قادرين على السداد. لكن في الولاياتالمتحدة، بعض أشكال القروض الخطرة آخذة في الارتفاع مرة أخرى، وخاصة في قروض السيارات وأيضاً في الإقراض للأعمال التجارية الصغيرة. يشعر بعض المراقبين بالقلق، ويدعو آخرون الى المزيد من مثل هذا الإقراض. ليست كل القروض عالية المخاطر سيئة، كما يقولون، وليست البنوك فقط من تقول ذلك. المدافعون عن حقوق المستهلكين يريدون أن يحصل المزيد من الناس على قروض، بينما يرى الاقتصاديون أن التشديد على الائتمان يلعب دورا كبيرا في تحجيم الانتعاش الاقتصادي. ربما القروض لضعاف الملاءة هي الدواء الذي يحتاجه الاقتصاد. وربما تشكل القروض العقارية عالية المخاطر منحدراً زلقاً يجدر بنا أن نبتعد عنه ونتجنبه. هل من الممكن أن تعطي البنوك بالضبط القدر المناسب من هذه القروض المحفوفة بالمخاطر دون الإفراط فيها إلى حد ينذر بالخطر؟ كان الانتعاش الأسرع في هذا النوع من القروض هو في قروض السيارات، على الرغم من انها لا تزال دون مستوى الذروة التي كانت عليه في فترة ما قبل الأزمة، بالإضافة إلى تسليم القروض إلى عدد كبير من المقترضين من ذوي الملاءة الائتمانية المنخفضة، خففت البنوك التي تعطي قروض السيارات في الولاياتالمتحدة من أحكام القروض من خلال إعطاء المستهلكين فترة سداد تصل إلى سبع سنوات، وهو ما يؤدي إلى زيادة المبالغ التي يدفعها المقترض في هذه العملية. ارتفع عدد الدفعات المتأخرة وقروض السيارات الذي عجز أصحابها عن السداد، ونتيجة لتقارير حول الطرق العدوانية التي تتبع في تحصيل القروض، والشروط المرهقة، وعمليات الضمان غير المتقنة والتي تتم على عجل، سارعت وزارة العدل الامريكية لاستدعاء البنوك التي تعطي قروضاً لأصحاب السيارات من أجل الحصول على معلومات بشأن مسائل حول المعايير التي يستخدمونها لتحديد الأشخاص الذين توافق عليهم البنوك من أجل الإقراض. قامت بنوك أخرى بتوسيع قروض تعادل القروض غير المضمونة، لكنها فعلت ذلك في قطاع الشركات الصغيرة، وكانت تفرض أسعار فائدة سنوية تصل إلى 100 في المائة أو أكثر. لكن الصورة مختلفة في القروض العقارية. أنشأت البنوك قروضاً مقدارها مليار دولار فقط من القروض عالية المخاطر في الربع الثاني من عام 2014، وهو مبلغ زهيد بالمقارنة مع 168 مليار دولار في القروض عالية المخاطر التي تم توزيعها في الربع الثالث من عام 2005 في أوج فقاعة الإسكان، ونتيجة لذلك، اضطر العديد من مشتري المنازل لأول مرة إلى فقدان مساكنهم والخروج من السوق، وهو ما أدى بالتالي إلى ركود أسعار المساكن. تقريباً منذ فجر الحضارة كانت هناك توترات بين البنوك والمقترضين. في وقت مبكر يعود إلى عام 350 قبل الميلاد، قال أرسطو: إن المرابي الصغير كان مكروهاً ولأسباب قوبة. وفي مسرحية «تاجر البندقية»، جعل شكسبير من اسم شايلوك، الشرير في المسرحية، مرادفاً لكلمة الربا. في بداية التسعينيات، كان مصطلح القروض لضعاف الملاءة يشير إلى الأشخاص الذين لم يكونوا يتمتعون بالجدارة الائتمانية التي تخولهم الحصول على القروض التي تعطى لذوي الملاءة والجدارة الائتمانية، حسب الوضع التقليدي. ومع تسارع سوق الاسكان الامريكية قبل عقد من الزمن، انطلقت القروض العقارية لضعاف الملاءة. ثم تحولت كميات متزايدة من القروض العقارية إلى ما يعرف باسم التوريق المالي، أي تحويل هذه القروض إلى أوراق مالية، مثل السندات، تباع وتشترى. وحصل السماسرة والبنوك على رسوم وأتعاب دسمة، وحصل المستثمرون على أسعار فائدة أعلى من سعر الفائدة الرسمي. هذه التركيبة جعلت البنوك تصدر المزيد من القروض إلى المقترضين من ضعاف الملاءة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما أدى بدوره إلى إرهاق أعداد متزايدة من المقترضين حيث كان بعض أخطر القروض من هذا النوع تباع إلى السود والذين هم من أصل لاتيني. ونتيجة لذلك كان هناك عدد ضخم من الناس الذين عجزوا عن سداد ديونهم، ونتيجة لذلك وقعت الولاياتالمتحدة، وجرت معها العالم، في أسوأ ركود منذ الكساد العظيم. كان هناك أكثر من 7 ملايين عملية من إخراج الناس من بيوتهم واستحواذ البنوك على تلك المساكن منذ بداية عام 2007؛ وفقا لريالتي تراك، وقد تم شراء ما يقرب من 700،000 من تلك المنازل بالكامل بأموال مقترضة دون أن يدفع صاحب المسكن قرشاً واحداً مقدماً. شوهت الأزمة المالية فكرة أن الإقراض لضعاف الملاءة على نطاق واسع هو أمر جيد من الناحية الاجتماعية، على نحو يمكن أن يعزز حلم أن يكون لكل أمريكي منزل خاص به من ملكه. النقاش الآن حول ما إذا كانت الأسر ذات الدخل المنخفض هي أفضل حالاً من خلال الحصول على قدر أقل من الائتمان، وكيفية تحقيق التوازن بين الفائدة التي يمكن أن يحققها الاقتصاد نتيجة لزيادة القروض إلى الأفراد من أجل مساعدتهم، وبين المخاطر التي تترتب على ذلك ويمكن أن تؤدي إلى انهيار كبير آخر. بعض المدافعين عن المستهلكين يطالبون البنوك بتخفيف معاييرها، ما دام يمكن أن يتم ذلك دون فرض أسعار فائدة عالية جداً أو شروط جزائية. في هذه الأثناء، دخل ما يعرف باسم «بنوك يوم الراتب» البديلة لملء الفراغ. هذه البنوك تعطي الأفراد قروضاً صغيرة، بفائدة عالية، على أن يتم التسديد يوم استلام الرواتب. وهي أقل خضوعاً للقوانين التنظيمية، وينظر إليها على أنها تستغل حاجة المقترضين وتفرض عليهم رسوماً عالية. وقد ساعدت الزيادة في قروض السيارات الاقتصاد من خلال المساهمة في حدوث انتعاش في مبيعات السيارات، على الرغم من ارتفاع معدلات التخلف عن السداد، والتي جعلت بعض المستثمرين يتساءلون عما إذا كان الاتجاه سينتهي في البكاء مرة أخرى.