عندما تغادر منزلك في الصباح الباكر فأنت على موعد لمواجهة ثلاثة أشياء في الطريق على أقل تقدير -إن لم تزد- أهونها ارتفاع ضغط الدم والتوتر ما من شأنه إفساد بهجتك وتشويش تفكيرك، وأعظمها (لا سمح الله)حادث مروري، الله وحده أعلم بعواقبه، أما أوسطها وألطفها فخدش على هيكل سيارتك الخارجي ينتهي ب(آسف) أو (حبة خشم). إن واقع القيادة المرورية ومفهومها في الوقت الحالي انحرف كثيراً عن مضمونه الحقيقي «السلامة أولاً» وأصبح الطريق عبارة عن سباق للسرعة والتحدي والعجرفة، يفرض قوانينه التهور والاستهتار بأرواح السائقين وأرواح الآخرين ضاربين بعرض الحائط آداب وسلوك القيادة النظيفة، وكأن ما تعلموه وفقهوه من أساليب ومهارات أنظمة المرور لا يتعدي (تشغيل/ اطفاء) محرك السيارة. إن معدل نسبة الحوادث المرتفع جداً والإصابات الناتجة عن الحوادث المرورية تضع علامة استفهام «؟» على مفهوم رخص القيادة المرورية لدى قائد المركبة والتي يجب أن يخضع حاملها لاعادة تقييم وأنا شخصياً على أتم الاستعداد لإعادة اختبار أهليتي في الإبقاء على حيازة رخصة قيادة السيارة من عدمه، سواء من الناحية الفنية أو العملية (الإلمام والالتزام بقواعد السلامة والمرور). كما أنني ما زلت ملتزماً بالوعد الذي قطعته على نفسي ل «رجل المرور» الذي أشرف على اختبار وتقييم مستوى مهارتي وتحكمي بالمركبة، وأتذكر تماماً كلماته ونصائحه عند استلام رخصة القيادة... أرجوك: لا تجعل الناس تشتمني وتسيء لي بعدم التزامك بقوانين المرور والقيادة (وأردف) وهو ما زال ممسكا برخصة القيادة وينظر إلي: اتعدني؟... (أبشر إن شاء الله) كان هذا جوابي. أحسست بشيء من الغرابة في وقتها لكنها اصبحت في ذهني راسخة مُنذ ذلك اليوم، وكلما شهدت حادثا أو كنت راكبا مع أحد أصدقائي أو أقاربي وتعرض بلامبالاة من بعض سائقي المركبات بعدم تقيدهم بأنظمة وقوانين المرور، فإن الجميع يعزو سبب المشكل في المقام الأول للشخص الذي أجاز له الحصول على رخصة القيادة (رجل المرور). رجل المرور.. هو حامل العصا السحرية وبيده جعل قيادة المركبة ممتعة وخالية من التوتر والقلق وأكثر أمانا وسلامة للجميع بإرشادنا (سائقي المركبات) بأساليب القيادة الآمنة وطرق اتباع الإرشادات واللوحات المرورية. كما أن تطبيقه الأنظمة واللوائح الجزائية بشكل فاعل وتحرير الغرامات المالية على السائقين المخالفين سيجنبنا مرتادي الطرق سواء كنا مشاة أو سائقي مركبات أو راكبي عجلات الكثير من حوادث السير والاضرار الجسدية والنفسية والمادية المترتبة على ذلك. إن تنوع خلفيات وثقافات السائقين المرورية وخلوها من المرونة والتسامح المروري «إذا جاز التعبير» في التعاطي مع مفهوم الأولوية وإتاحة المجال في الطريق، بالإضافة لعدم الالتزام بالسرعة المحددة وعدم استخدام الإشارات الضوئية الجانبية بوقت كاف قبل الانعطاف أو تغيير المسار، وكذلك عدم الانصياع للتحذيرات الإرشادية باتباع اللوحات الجانبية المثبتة على الأرصفة ك(عدم الوقوف والانتظار قطعياً) وترديد مقولة: (بس دقيقة) هي من أهم المسببات للاختناقات المرورية وإعاقة حركة السير والحوادث. بالمقابل.. وكما يقول المثل: (يد وحدة ما تصفق) فتطبيق القانون يجب أن يكون ساريا في جميع الأوقات وباتباعك له تحافظ على سلامتك وسلامة الجميع وتطبيقك له -خوفاً على مدخراتك المالية- ليس الهدف والمرجو، فربط حزام الأمان ليس ضروريا عند نقاط التفتيش فقط والتزامك بالسرعة المسموح بها في الطريق ليس من أجل «عيون ساهر». إن الثقافة المرورية والوعي بأهمية الالتزام بها يجب أن تكون راسخة في أذهاننا عن قناعة وليس مناطا بتطبيقها أو اتباعها في حضور رجل الأمن أو شرطي المرور. إن تفشي «الأمية المرورية» تستدعي إعادة النظر في الطرق التقليدية التي يجتازها الراغب في الحصول على رخصة القيادة المتمثلة في مهارة التعامل مع المركبة بركنها بشكل صحيح ضمن اطار الاختبارات العملية المعمول بها حالياً، إلى إدخال الوعي بالثقافة المرورية في المناهج الدراسية بشكل تربوي مفيد، يحرص على غرس القيم ومبادئ الأنظمة المرورية وتدريسهم القيادة بشكلها ومضمونها الصحيح وكيفية التعامل مع الطريق ومرتاديه في مختلف المراحل التعليمية والاهتمام بسلوك الفرد في التعامل مع أفراد المجتمع الذي من شأنه سينعكس إيجاباً على أفعاله وتصرفاته على الطريق.