من الغريب الملاحظ، أن كثيرا من الناس، يريد التفوق ولو بشراء المركز والشهادة من أجل حاجة في نفسه وهي المال، وهذه حقيقة مشاهدة وملموسة، وهي سبب تعاسة وشقاء الإنسان في كثير من البلاد العربية لبالغ الأسف المحبط. والمصيبة أنها تترى وتتوالى فكل جيل يربي الجيل الذي بعده على هذه الرذيلة، سواء بالأقوال أو بالأفعال ولست أدري متى سيأتي الجيل سليم التنشئة الذي ستكون على يديه وفكره الحر، الفكاك من أدران التنشئة التي نعيشها الآن بواقعها الذي لا ينتج خيرا، في كافة المجالات الحياتية التي ارهقت المجتمع بأطيافه. من هذا المنطلق صار بعض المسؤولين يعملون ليس حبا في العمل وإخلاصا لله ثم للوطن وتنميته، ولكن لجمع المال فقط، وهذه كارثة لا تنهض بالإنسان وتبنيه بل تقيده بقوة في دائرة مصلحته الشخصية الضيقة التي تهدم التنمية وتمنع التقدم. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من الناس أناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس أناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه). وإني أستغرب من ثقافة انتشرت لدى بعض الناس، وهي أن البعض منهم عندما يصنع لأحدهم معروفا، أو يقدم له خدمة ما، قد تكون من اساسيات عمله، يريد من طالب الخدمة الثبات على شكره دوما، ويقدم له الولاء والسمع والطاعة الدائمين، وأن يداوم الاتصال به وذكر ما قدمه له من خدمة بشكل دائم في السر والعلن، بمناسبة أو بغير مناسبة، وإن كف الإنسان عن تقديم أسمى آيات الامتنان والعرفان لجميله، انقلب على عقبيه واتهمه بنكران الجميل وبعقوق المعروف وبقلة المروءة. ومنه قول البعض هداهم الله لما يحب ويرضى، إن كثيرا من الناس لا يعرفوننا ولا يتصلون بنا او يأتون إلينا إلا في حال الأزمات وفي حال لهم مصلحة ما لدينا! ومن احسن ما قرأت (إن من علامات التوفيق للعبد: أن يجعلهُ الله ملجًأ للناس: يُفرّج هما، يُنفّس كربا، يقضِي دينا، يُعين ملهوفا، ينصر مظلومًا، ينصحُ حائراً ويأمر بمعروف وينهى عن منكر). «من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها»، قال ابن سعدي: هذا حث على فعل الخير وترك الشر وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السيئة. ومن العجيب أيضا ما كتبه أحد حملة شهادة الدكتوراة، في تغريدة له بتويتر، قوله (قابلت أحدهم غصبا في الأحساء، على باب المصعد، وركب وظهره باتجاهي، وهو تلميذ لي، وأخذ عندي تقدير (ممتاز) وهو دكتور في قسمنا الآن)!!! ولا أدري ما الذي يقصده بكلمة غصبا، فأنت يا دكتور تؤدي عملك وتأخذ عليه مرتبا شهريا ولا تدرس التلاميذ مجانا بلا مردود أو عائد مادي، وهو يدرس بمجهوده، وقد تكون بدرت منك بعض التصرفات التي جعلته يعرض عنك حين التقاك في المصعد!. وللأسف حدثتني احدى المعلمات بقولها: «ودي (اسقط) فلانة لكنها تأخذ النجاح بقوة ذكائها، فكل نتائجها مذهلة وهي سريعة الحفظ، وقد حاولت ترسيبها لأن سلوكها معي واحترامها لي وللمدرسات ليس جيدا ولكني لم أجد عليها مدخلا فهي تنجح وتتفوق بمجهودها!!». نفسيات غريبة جدا لم يحالفها التوفيق، تريد تسخير العالم لخدمتها وتستخدم وظيفتها او شهادتها وما حصلت عليه من درجات علمية للنيل من الناس واستعبادهم بشكل أو بآخر (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!). وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (من سره أن يتمثل له الناس قياماً، فليتبوأ مقعده من النار). من هنا على جميع أولياء الأمور والمربين الأصحاء نفسيا الإيحاء للطفل، بأنك تتعلم لتنفع وطنك وتبني مجده، وليس فقط لتجمع المال وتنفع نفسك، فإذا أحببنا مجتمعاتنا وأوطاننا على أسس وقواعد قوية، هنالك فقط نستطيع القول إننا أمة حية صنعت -بتوفيق الله لها- إنسانا يجيد البناء والحب ويعترف بالجمال وينشره. * باحثة اجتماعية