لم تكن تعرفه من قبل، ولم يدر في خلدها يوما من الأيام أنها ستلتقي به، لكنها مشيئة المولى عز وجل، تسوق الأقدار لتضعك في مواقف غريبة عجيبة، قد يكون في ظاهرها السوء، ولكنها تخبئ في باطنها الرحمة، وكم من محنة صارت منحة.. فقد قدر أن تسير بها الأحداث وكأنها تمسك بيدها وتأخذها شيئا فشيئا إلى حيث الصفاء والنقاء والجمال، إلى حيث الرجولة الحقيقية وما تحمله من معاني الشهامة والمروءة والكرم إلى حيث العقل الكبير وقوة الشخصية إلى حيث الحكمة والثقة بالنفس، لترى بأم عينيها ما كانت تحسبه من النوادر، أو كان هو كذلك في تقديرها الشخصي. مد يد العون لها وقف بجانبها ساندها وأنصفها، لم يتلكأ لم يتردد لم يحسبها بحساب الأرباح والخسائر لم يزنها بميزان البرجماتية، وإنما كان محركه في ذلك كله ما يمليه عليه دينه وحسن خلقه ورجولته، وما لديه من صلاحيات، فمن الناس من يكونون مفاتيح للخير مغاليق للشر، فطوبى لمن جعل مفاتيح الخير على يديه. وما كان ذلك إلا ترجمة حقيقية لمعنى من معاني الأخوة في الله (إنما المؤمنون إخوة).. ذلك المعنى الرائع الذي نحن بأمس الحاجة إليه في حياتنا، فالأخوة من أجمل الأشياء التي حبانا الله بها، فهي علاقة تتسم بالطهر والنقاء في الدنيا والآخرة، نعم إنهم إخوة لم تعش معهم يوما من الأيام يقفون إلى جانبك، تجدهم كالأب الحنون كالأخ الحريص على أخته، يسمعون همومك، حين تحصل لك مشكلة تجدهم أذنا صاغية لك يفكروا معك كأنهم عقلك، يحسوا بك كأنهم شريان قلبك، تلك الكلمة الساحرة التي تفيض طيبة وحنانا وحبا واهتماما. ما أجملها!! أخوة مع أناس لم تلدهم أمك، باتوا أعز من نفسك على قلبك، تحادثهم ويحادثونك، حين تبكي تجدهم أول الرائفين بحالك، هي امتزاج روحا مع روح وتصافح قلبا مع قلب. قد تتوه في هذه الدنيا كالغريب ولا تجد من يقف بجانبك، تبحث وتبحث ولا تجد أحد يواسيك، تحادث نفسك فلا تجد سوى صدى صوتك يعود إليك، إلى أن يظهر لك أناس كالدواء يوضع على الجرح فيطيب، أناس كالبلسم يداوون ألمك. كثيرا ما يخبئ لنا الزمن في طريقنا خيبة أمل عندها ستحتاج إلى وقفة أخوية، وكلمة طيبة، ويد حانية، حينما تمتد لك فهي لا تريد إلا ما عند الله، فالساعي لقضاء حوائج الناس موعود بالإعانة والتوفيق، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأحب الناس إلى الله عز وجل انفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وغيرها من فضائل صناعة المعروف. شخصية مقدامة جريئة غير مترددة عملية نشيطة منظمة ودقيقة، وفي ذات الوقت هي شخصية دافئة حنونة عطوفة، تعرف كيف تستخدم كل مواهبها لتحقيق النجاح والتأثير في الآخرين، لا تعرف الكسل والإحباط. شخص يعرف كيف يكون قائدا، رجل يشعرك انك تريد الانضمام إليه واللحاق به، دائما يشعرك أنه لديه أوراقاً أخرى، وأن من المجدي المداومة معه لأن هناك مفاجآت تنتظرك، من النوع الذي يغازل العالم ويحب الحياة. قد تكون هي فوجئت به في البداية في أول موقف بهرها فيه بسمو ذاته ونبل أخلاقه، إلا أنها في تلك الفترة بررت ذلك بأن هذا ما يمليه عليه منصبة الوظيفي أو أنه قد يكون شفقة بها وتعاطفا معها لأنها كانت متضررة وبحاجة إلى من ينصفها ويعطيها حقها، ولكن تولي الأيام والشهور والسنين، برهن بحق أنها الرجولة لا غير، فلله درك يا دكتور.