أثار ذبح تنظيم "الدولة الإسلامية" جنديا لبنانيا خطف قبل أكثر من شهر من لبنان موجة توتر جديدة في البلاد متواصلة منذ السبت، تمثلت في أعمال عدائية ضد لاجئين سوريين، وخطف على أساس طائفي بين سنة وشيعة في منطقة البقاع (شرق). ومنذ نشر صور الجندي عباس مدلج (شيعي) الذي خطفه "داعش" مع عدد آخر من الجنود وعناصر قوى الامن منذ أكثر من أربعين يوما، مقطوع الرأس على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت السبت، أقدم لبنانيون غاضبون على قطع طرق واحراق اطارات في مناطق عدة من لبنان، وتعرض آخرون بالضرب والتهديد للاجئين سوريين، وكان الخاطفون أقدموا في وقت سابق على قتل الجندي علي السيد (سني) بالطريقة نفسها. وشهدت بلدة عرسال الحدودية مع سوريا في مطلع أغسطس معارك دامية بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سوريا تسببت في مقتل عشرين عسكريا و16 مدنيا وعشرات المسلحين. وعمد الذين فروا من هؤلاء الى أخذ عدد من العسكريين رهائن، أفرجوا عن بعضهم في وقت لاحق وقتلوا اثنين منهم، ولا يزال هناك ثلاثون منهم قيد الاحتجاز لدى "جبهة النصرة" وتنظيم داعش. وأفاد مصدر أمني بأن عائلة الجندي علي المصري - وهو أحد المحتجزين الثلاثين - أقدمت مساء الأحد على خطف رجلين من بلدة عرسال ذات الغالبية السنية والمتعاطفة اجمالا مع المعارضة السورية، على طريق عام بعلبك في منطقة البقاع "واقتادوهما الى جهة مجهولة". وقال أحد أعيان المنطقة الذي يقوم بوساطة بين الخاطفين وعائلتي المخطوفين عبدالله الفليطي وحسين البريدي لفرانس برس رافضا كشف هويته : "تطلب عائلة المصري من أبناء عرسال ممارسة ضغط على الخاطفين من أجل الافراج عن ابنها، وتتمسك بأنها لن تطلق المخطوفين، وهما مهندس وطبيب، قبل الافراج عن الجنود". ويتحدر الجندي المصري من بلدة حور تعلا الشيعية، ومنذ بدء النزاع السوري، حصلت توترات أمنية عدة وتبادل عمليات خطف على خلفية النزاع بين المناطق المؤيدة اجمالا لحزب الله اللبناني الذي يقاتل الى جانب قوات نظام الأسد في سوريا، ومنطقة عرسال السنية. وطال الغضب كذلك في المنطقة التي تتواجد فيها عشائر وعائلات نافذة ومناطق خارجة عن سيطرة الدولة، اللاجئين السوريين الذين شوهد مئات منهم خلال نهاية الاسبوع يغادرون منطقة بعلبك متجهين الى الشمال او البقاع الغربي أو بيروت. فقد أفاد شهود بأن مجهولين أقدموا ليل السبت الأحد على احراق خيام في تجمع للاجئين السوريين في منطقة الطيبة قرب بعلبك، ما دفع العديد من السوريين الى مغادرته. كما شاهد مراسلو وكالة فرانس برس في البقاع لاجئين سوريين يفككون خيامهم في منطقة رياق قرب بعلبك وسيارات محملة بالسوريين تخرج من منطقة بعلبك الاحد، واتخذ بعض النازحين قرار المغادرة من تلقاء أنفسهم خوفا من ردود فعل عدائية قد تطالهم. وروى جورج غطاس، وهو مزارع من قرية الطيبة قرب بعلبك، انه شاهد مجموعة من الرجال تتعرض بالضرب لعامل سوري في ورشة بناء قرب بلدته. في الضاحية الجنوبية لبيروت، روى شاهد آخر رفض كشف اسمه لوكالة فرانس برس انه شاهد مجموعة من خمسة الى ستة شبان "يترجلون عن دراجاتهم النارية قرب مستشفى الرسول الاعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت ويعترضون شابا بعد ان سألوه إن كان سوريا ورد بالايجاب، فأشبعوه ضربا". في الجنوب، افاد رئيس بلدية برج الشمالي القريبة من مدينة صور بأن البلدية "أمهلت السوريين الذين يعيشون في تجمع قرب مخيم برج الشمالي مهلة 48 ساعة لاخلائه اعتبارا من الساعة الثانية من بعد ظهر أمس، وقال: "نحن لا نطردهم، لكننا قلقون على الوضع الامني في بلدتنا، ولا نريد لبؤر ارهابية ان تنمو في المخيمات". ويستضيف لبنان 1,1 مليون لاجىء سوري يعيش معظمهم في ظروف مأساوية ويتعرضون غالبا لمعاملة تمييزية. وعمدت بلديات عديدة الى الحد من تنقلاتهم لا سيما خلال الليل بعد ان وجهت اتهامات الى العديد منهم باقتراف جرائم قتل وسرقات. ودعا رئيس الحكومة اللبناني تمام سلام مساء الاحد في كلمة وجهها مباشرة عبر محطات التلفزة، اللبنانيين الى الابتعاد من ردود الفعل العنيفة ضد السوريين. وقال: "النازحون السوريون اهلنا، استجاروا بنا فأجرناهم، مثلما تفرض أصول الأخوة والجوار"، مشيرا الى ان السلطات الامنية والقضائية هي التي ستتولى "الحالات الشاذة" في حال وجودها بين النازحين السوريين، "بعيدا من العقل الثأري الداعي الى الفتنة". وأضاف "إن مشاعر الحزن والأسى لدى أهالي العسكريين المخطوفين وجميع اللبنانيين مشاعر طبيعية تحظى بكل احترام وتفهم، لكن ما جرى في الشارع في الايام الماضية أساء الى الشهداء (...)، وكاد يودي بالبلاد الى منزلقات خطيرة". وطلب من اللبنانيين "الثقة في الحكومة" التي تبذل أقصى الجهود من أجل الافراج عن العسكريين. وقال: "العدو ليس تقليديا. لقد تسبب لنا في ألم كثير، وقد يتسبب في ألم أكثر"، مضيفا "المعركة طويلة، ويجب ألا تكون لدينا أي أوهام في أنها ستنتهي قريبا".