الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر لا تسرق العديد من فرص العمل كما يعتقد البعض، والتشغيل الآلي يفيد في الواقع كثيراً من العمال، هذا ما قاله البروفيسور ديفيد أوتور من معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا في عرض تقديمي في مؤتمر الاحتياطي الفيدرالي. وقال أوتور في ورقة مخصصة للإلقاء في الندوة السنوية التي يقيمها الاحتياطي الفيدرالي لكنساس سيتي في جاكسون هول، وايومنغ، إن السبب الرئيس في أن البشر ليسوا من الأشياء التي عفا عليها الزمن بعد هو وجود مهام بسيطة مثل معرفة الكرسي بصرياً، والتي يمكن لأي طفل القيام بها، لكنها ليست سهلة على المهندسين ليقوموا بتعليمها لأجهزة الكمبيوتر. وكتب يقول إن "الصحفيين والمعلقين الخبراء يبالغون في مدى استبدال الآلة للعمل الإنساني ويتجاهلون عوامل التكامل القوية التي تزيد من الإنتاجية وزيادة الأرباح وتزيد الطلب على العمالة الماهرة". وأضاف: "التحديات لاستبدال العاملين بالآلات في المهام التي تتطلب المرونة واتخاذ قرار والحس السليم لا تزال هائلة". ويعتبر أوتور، البالغ من العمر 50 عاماً، باحثاً أمريكياً كبيراً في سوق العمل والذي يركز على التحولات في سوق العمل مثل الاستقطاب الوظيفي، وتركيز نمو الوظائف في النهايات العالية والمنخفضة في سوق العمل. ورقته هي واحدة من أربع ورقات يجري مناقشتها في المؤتمر. ويستشهد أوتور ببحث جوجل حول السيارات بدون سائق، وحول خاصية التعرف على صور القطط لإظهار أن سيطرة الروبوت تعتبر أكثر تهويلاً من الحقيقة. وقد أجرت الشركة اختباراً لمسافة أكثر من 300 ألف كيلومتر للسيارة بدون سائق مع المركبات. وهي تتصفح المعلومات عن طريق جمع بيانات الاستشعار في الوقت الحقيقي ومقارنتها مع خرائط محملة مسبقاً تحدد المواقع الدقيقة للطرق والإشارات المرورية، في حين تتكيف مع العقبات مثل الناس والسيارات. سيارات جوجل دون الخرائط، فإنها لا يمكنها القيادة في التضاريس التي لا تعرفها. وكما كتب أوتور: "في حين تظهر سيارة جوجل ظاهرياً بأنها تتكيف وتتحلى بالمرونة مثل السائق البشري، إلا أنها في الواقع أقرب إلى أن تكون قطاراً يعمل على مسارات غير مرئية". كما قام باحثو جوجل بتعليم أجهزة الكمبيوتر عملية معرفة وإدارك صور القطط على موقع يوتيوب. استغرق الأمر شبكة عصبية تتكون من 16 ألف معالج. ويكتب أوتور: "حتى الإنجازات المثالية في هذا المجال يمكن أن تظهر بأنها مخيبة بعض الشيء". كما لاحظت ورقته أنه، في حين هزم الكمبيوتر العملاق واتسون، من تصنيع آي بي إم، في حلقة من برنامج "جيوباردي!" أبطال عرض المسابقة، إلا أن ذلك لم يكن مثالياً. في فئة تتألف من مدن أمريكية، كان السؤال: "ما هي المدينة التي أُطلِق على أكبر مطاراتها اسم بطل في الحرب العالمية الثانية (أوهير) ؛ وأُطلِق على ثاني أكبر مطار لها اسم معركة في الحرب العالمية الثانية (ميدواي)." كان جواب واتسون هو "تورونتو". (الإجابة الصحيحة هي شيكاغو). تعلم أوتور برمجة الكمبيوتر في فترة المراهقة، وحصل على بكالوريوس في علم النفس، مع تخصص في علوم الكمبيوتر. ثم حصل على درجة ماجستير في السياسة العامة من جامعة هارفارد. وبعد ذلك حصل على الدكتوراة من الجامعة نفسها، وكان عنوان أطروحته هو "مقالات حول سوق العمل المتغيرة: الحوسبة، وعدم المساواة، وتطوير قوة مهام مؤقتة لسوق العمل". وفي عام 1999 انضم إلى هيئة التدريس في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا، وهو الآن الرئيس المشارك لكلية الاقتصاد في الجامعة. أوتور، الذي حضر لأول مرة إلى ندوة كانساس سيتي التي يقيمها الاحتياطي الفيدرالي، كتب ورقته بناءا على طلب من بنك الاحتياطي الذي يستضيف الاجتماع لمدة ثلاثة أيام لمحافظي البنوك المركزية والاقتصاديين، تحت عنوان "إعادة تقييم ديناميات سوق العمل". وقال في البحث إن "المناقشات الشعبية والأكاديمية للعواقب التي يمكن أن تكون وخيمة للأتمتة في سوق العمل آخذة بالتسارع. وقد استشهد بمقالات في عام 2013 كتبها الصحفي نوه سميث في مجلة الأتلانتيك يحذر فيها من "نهاية العمل"، كما تنبأ الكاتب كيفن دروم بأن "أسياد الروبوتات" سوف يسرقون الوظائف من العمال. الذكاء الاصطناعي يستشهد أوتور أيضاً بزميليه في الجامعة، وهو إريك برينيولفسون وأندرو مكافي. فقد نشرا كتاباً في عام 2011 بعنوان "السباق ضد الآلة"، الذي عرضا فيه كيف أن المكاسب في الذكاء الاصطناعي ستسمح لأجهزة الكمبيوتر بأداء مهام كانت من اختصاص البشر فقط في الماضي. وكتب أوتور: "أين أسياد الروبوتات؟ وإذا لم يكونوا بيننا منذ الآن- وتشير جميع المظاهر الخارجية إلى أنهم غير موجودين- فهل نتوقع وصولهم الوشيك؟" وقال أوتور إنه في حين أن عمليات الحوسبة تقدمت في مجالات كانت تعتبر في السنوات القليلة الماضية خارج نطاق الآلة، مثل قيادة السيارات، إلا أن قراءة المستندات القانونية، والقيام بأعمال المزراع، والأنظمة المؤتمتة لا تزال تفتقر إلى المرونة. صحيح أن المصانع تستخدم الروبوتات لتركيب مسَّاحات الزجاج الأمامي، لكن البشر فقط هم الذين يقومون بتركيب البدائل التي تحل محلها حين تتعطل "لأن إزالة ماسح الزجاج المتعطل وتركيب ماسح آخر مكانه في الإطار المخصص لذلك يتطلب قدرة على التكيف في الوقت الفعلي تفوق كثيراً ما يستطيع أن يؤديه أي روبوت معاصر". تكميل أعمال البشر قال أوتور إن هناك "تاريخاً طويلاً من كبار المفكرين الذين بالغوا في تقييم إمكانيات التكنولوجيات الجديدة في أن تحل محل العمل الإنساني، والذين قللوا من قدرتها على إكمال أعمال البشر". وقال إن التركيز على ما يضيع في عملية المكننة "يفوِّت الآلية الاقتصادية الرئيسية"، التي من خلالها يزيد نمو الإنتاجية من قيمة العمل الذي يستطيع البشر فقط أن يقوموا به، لأن الآلات تحل محل العمل البشري وتكمله. تلعب المكننة دوراً إيجابياً في بعض الصناعات، مثل الإنشاءات، وفقاً لما يقوله البحث. وكتب أوتور: "بالمعايير التاريخية، فإن عمال الإنشاء الحاليين يشبهون أجهزة السايبورغ. فهم يتلقون التعزيز من الرافعات وآلات الحفر وأجهزة اللحام والمطارق الهوائية، وبالتالي فإن كمية العمل المادي الذي يستطيع القيام به عامل ماهر في الإنشاءات خلال يوم عمل من 8 ساعات هي فعلاً كمية مذهلة". ومع ازدياد الأتمتة في مواقع العمل لتحل محل العمل البشري في الإنشاءات، تكون هناك حاجة إلى عدد عمال لتنفيذ المهمة يقل عما كانت تدعو إليه الحاجة قبل 50 سنة، مع ذلك، كما يقول أوتور، "فإن عمال الإنشاء لم تهبط منزلتهم بسبب الآلات التي حلت محل بعض أعمالهم". مكاسب في التوظيف ورغم أن كثيراً من الوظائف عفا عليها الزمن، مثل المصانع التي كانت مشغولة في تصنيع تجهيزات الخيول والعجلات والمقابض والحدوات وما إلى ذلك، يقول أوتور إن هذه الخسائر "تم التعويض عنها بأكثر منها" من خلال المكاسب في التوظيف. وقال إن نسبة القوة العاملة في الزراعة في عام 1900 كانت 41 في المائة، ثم هبطت إلى 2 في المائة في العام 2000". وأضاف: "لكن من غير المرجح أن المزارعين في مطلع القرن العشرين كانوا يتوقعون التطورات التي ستتم خلال 100 سنة في مجالات مختلفة مثل الرعاية الصحية والعلوم المالية وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات الاستهلاكية، وأعمال الفنادق والضيافة، والمتعة والترفيه، وأنها ستوظف عدداً من العمال يفوق كثيراً عدد العمال الزراعيين. الواقع يمكن أن نجادل بأننا نقف اليوم على عتبة مرحلة مشابهة".