كان التوقف بداعي التمتع باجازة قصيرة فرصة للتأمل فيما مضى واستشراف المستقبل، وها نحن اليوم نعود كما وعدناكم إلى الحديث عن موضوع مهم وهو الاحتكار، حيث سبق لنا الحديث في المقال الماضي عن بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع ومازلنا نواصل الحديث عن كيفية مواجهة الاحتكار في بعض الأنظمة الأجنبية وكذلك في بلداننا العربية. وبداية فقد صدرت العديد من التشريعات والأنظمة التي تساهم في مكافحة الاحتكار وقد كان أول تنظيم يُعنى بتجريم ومكافحة الاحتكار هو قانون «منع الاحتكار» Antitrust Act الصادر في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1890م كما قامت ألمانيا بإصدار قانون خاص بتجريم الاحتكار عام 1957م والأمر ذاته ينطبق على المملكة المتحدة حيث أصدرت مرسوم التجارة العادلة Fair Trading Act عام 1976م بغية الحد من جرائم الاحتكار. وفي سبيل مكافحة الاحتكار قامت العديد من هيئات مكافحة الاحتكار بتوقيع عقوبات وغرامات طائلة على بعض الشركات التي تمارس الاحتكار ولا يسع المجال هنا للتطرق لها علماً بأن هذه المعلومات عامة ويمكن الاطلاع عليها في مواقع نفس الهيئات. وعلى غرار الأنظمة والقوانين الأجنبية فقد صدرت العديد من الأنظمة والقوانين العربية التي تمنع وتجرم سياسة الاحتكار ومنها على سبيل المثال لا الحصر قانون حماية المنافسة الأردني رقم 49 لسنة 2002م حيث أورد هذا القانون في بعض مواده (20 : 25) العقوبات المقررة بحق كل من يخالف أحكام هذا القانون ويمارس أعمالاً مخلة بنزاهة المعاملات التجارية. ومن ذلك أيضا قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية المصري رقم 3 لسنة 2005م حيث نصت مواده على صور الممارسات الاحتكارية والعقوبات المقررة لها. وقد صدر نظام المنافسة بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/5/1425ه الذي حظر ممارسات الاحتكار ورتب له عقوبة حيث حددت المادة الأولى من النظام المشار إليه أعلاه الهدف من صدوره وهو حماية المنافسة العادلة وتشجيعها، وكذلك مكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة. كما نصت اللائحة التنفيذية بوضوح على حظر استغلال المنشآت ذات الوضع المهيمن لوضعها حيث أوردت الفقرة (1/ح) من المادة السادسة من اللائحة حظر السعي لاحتكار مواد معينة ضرورية لممارسة منشأة منافسة لنشاطها. كما فرض نظام المنافسة عقوبة مالية على كل من يخالف أحكامه ويمارس سياسة الاحتكار حيث نصت المادة الثانية عشرة على أنه: «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر، يعاقب كل مخالف لأحكام هذا النظام بغرامة مالية لا تتجاوز خمسة ملايين ريال وتضاعف الغرامة في حالة العود وينشر الحكم على نفقة المخالف». وقد تم إنشاء مجلس لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ويهدف إلى دعم وحماية الصناعات المحلية وحماية اقتصاد المملكة من أية ممارسات احتكارية من خلال وضع القواعد والمبادئ التي تكفل قيام المنافسة العادلة. وقد صدر قرار مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الاثنين بتاريخ 14/9/1434ه وتم بموجبه تعديل اسم «مجلس حماية المنافسة» ليصبح «مجلس المنافسة» ويتولى الإشراف والرقابة على أنشطة المنافسة. وبالإضافة إلى إيجاد الإجراءات والأنظمة الرادعة لا يمكن أن نغفل هنا عن ذكر وسيلة في غاية الأهمية تؤدي دوراً كبيراً في الحد من ظاهرة الاحتكار وتكمن في نشر ثقافة المنافسة الحرة والعادلة بين أبناء المجتمع وحمايتها وتشجيعها عن طريق تفعيل ودمج الوسائل التقليدية والحديثة والاستفادة من التجارب والخبرات الدولية في هذا المجال خصوصاً بعدما تم تعديل مهام واختصاصات المجلس وأصبح من ضمن مهامه نشر ثقافة المنافسة وتعريف المجتمع بالحقوق التي كفلها النظام وإيجاد قناة تفاعلية عبر شبكة الانترنت بينه وبين المجتمع. وفي الختام يحدونا الأمل أن يصدر في القريب العاجل نظام خاص يعنى بمكافحة الاحتكار على غرار العديد من الأنظمة والقوانين لكثير من دول العالم للحد من ظاهرة الاحتكار حمايةً ودعماً للاقتصاد السعودي ولحماية مصالح واحتياجات المستهلك.