الإساءة للدين الحنيف وتشويه صورته الناصعة ومبادئه السمحة كانت دائماً شأن أعدائه على مر العصور منذ أن بعث النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين الذي جعله الله خاتم الرسالات النبوية لهداية الأمم كافة في مشارق الأرض ومغاربها، وما زال هذا الدين يتعرض لهجمات أعدائه حيناً بعد حين، وليست الهجمة التي نشهدها هذه الأيام إلا واحدة من أشرس الهجمات التي يشنها أعداؤه الذين يخافون وضوح صورته للأمم، التي تثبت الأيام أكثر وأكثر أن ما تعانيه من مصاعب وما تشكو منه مجتمعاتها من تفكك وانحلال وضياع ما هو إلا نتيجة لعدم اتباع مبادئ الإسلام السمحة التي جاء بها النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- للأمم والشعوب، لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض وأسود إلا بالتقوى، غير أن الهجمات التي يكون مصدرها بعض من يدعون الانتساب لهذا الدين كانت على مدى التاريخ هي الأشد ضرراً وإيلاماً، لأن الخوارج على الإسلام في كل عصر يظهرون بمظهر أبنائه الذين يحرصون عليه ويدعون العمل من أجله ويحاولون الظهور بمظاهر الورع والتقوى، بل ويدعون أنهم الأكثر غيرة عليه من أبنائه المخلصين، لكن هذه الادعاءات ومهما اتخذوا من مسميات أو صفات فهم القاعدة حيناً وداعش وأنصار الدين وعصائب الحق أو أنصار الحق أو أنصار الإسلام وغير ذلك من ألقاب ومسميات الزيف والادعاء والتضليل أحياناً أخرى، ولكن هذه الادعاءات لم تكن أشد انكشافاً منها هذه الأيام حيث تثبت الأحداث يوماً بعد يوم كم يتجنى هؤلاء على الإسلام وكم يفترون عليه ويعملون ما ينال منه ويحقق أحلام أعدائه. ولقد يسر الله سبحانه لهذا الدين دائماً وأمام ما يتعرض له من هجمات من يدافع عنه ويظهر حقيقته ويكشف ادعاء خصومه، وما بيان سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ هذا الأسبوع إلا تبيان وإيضاح لحقيقة خوارج العصر، الذين وصفهم سماحته بأنهم العدو الأول للإسلام بما يقترفون من جرائم وما يرتكبون من مذابح بحق المسلمين أولاً وبحق المعاهدين وأهل الذمة من الطوائف والأمم التي ظلت قرونا طويلة في تعايش تام مع المسلمين، الذين عاملوهم دائماً بما يأمر به الدين الحنيف من حسن المعاملة والجوار، فبعد أن نال هؤلاء الخوارج من أبناء الأمة وشعوبها أخذوا في تنفيذ المخططات المرسومة لهم، وتأدية الأدوار التي أرادها لهم أعداء الأمة من تقتيل وتهجير ومذابح تصاحبها صيحات- الله أكبر. ونشر ذلك عبر قنوات الاتصال إمعاناً في الإساءة لمبادئ الإسلام والتنفير منه واستعداء الآخرين عليه، بعد أن أخذت العديد من المجتمعات في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا تقبل على اعتناق الإسلام والدخول فيه حتى غدا الديانة الثانية بعد الكاثوليكية في فرنسا وألمانيا وغيرها، بل إن بعض من ناصبوا الإسلام العداء من قيادات اليمين المتطرف في الدول الأوروبية أخذوا يدخلون في دين الله ويحملون رسالته ويدعون إليه. وإذا كان كشف نوايا هؤلاء المتطرفين وخطيئتهم وإساءتهم لرسالة التسامح التي جاء بها الدين الحنيف هو واجب شرعي وإنساني تصدى له سماحة المفتي العام للمملكة، فإن لكل منا دوره الذي ينبغي القيام به في الدفاع عن الإسلام وحقيقة مبادئه وما يدعو إليه من الإخاء والتسامح والعدل وحسن المعاملة في مواجهة تيار التطرف والغلو والإرهاب بسائر أشكاله، سواء بقيام الآباء وأساتذة الجامعات والمعلمين بتربية الأبناء وتوعيتهم وكذلك المساجد ووسائل الإعلام والاتصال، حتى يمكننا مواجهة هذا التيار الذي يحمل أفكار التعصب والتشدد والعداء للآخر بصخرة صلبة تتحطم عليها مؤامراتهم وتحبط ما يدبرون من شر وفتن لهذه الأمة، وإلا فإن القادم- لا سمح الله- لن يكون كما نريد لأوطاننا وأبنائنا، لأنهم لا يضمرون لنا جميعاً إلا الويل والثبور والدمار وعظائم الأمور.. "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".