يبهرني مشهد الرسول العظيم -عليه الصلاة والسلام- وهو المعصوم عن الخطأ، والمسدد بالوحي، يُلح على أصحابه قائلاً: "أشيروا علي"، وعمر -رضي الله عنه- يدين لأحد الصحابة؛ لأنه أنقذه من قرار خاطئ ويقول: "لولا معاذ لهلك عمر". أنا أبخص، تخفي خلفها انغلاق مساحة الرأي، وخوفاً من التعبير، وضيق صدورنا في الحوار، ورعباً كبيراً من النقد، وهروباً من المراجعة!! الشورى ليست علامة ضعف، بل مؤشر قوة وثقة، والنقد البناء مرآة تروي لنا واقع الضمير قبل أن تعكس لنا جمال الصورة، والحوار يكشف كم من الإبداع والامتاع في عقول من نزدريهم أحياناً. الشورى ليست أباً يعتقد أن القوامة تعني ألا يستشير إلا نفسه، وليست صاحب علم يرى العصمة لما يقول، وليست مظهراً جميلا لمدير يخفي خلفه واقعاً فقيراً من الإنجازات، وليست منصباً يرن اسمه في الآذان ويغيب آثره في وجدان الناس، وليست مكتباً يلمع على أطرافه أشخاص بلا فاعلية يرددون أنت أبخص طال عمرك!! بيوتُ بلا شورى أو حوار، هي بيوت أشباح، تطير مع الريح مع أول عاصفة، ومجتمعات لا تتحمل النقد ولا تطلب إلا المدح والتزلف، هي أشبه بالقط الذي يرى نفسه في المرآة بصورة الأسد. المنصف يرى الواقع بلا مساحيق، يقيم العثرات بتجرد ويعزم على العلاج؛ لأن الواقع لا يتحمل رفض الآراء التي لا تروق لذواتنا المتضخمة. سادت الحضارة الإسلامية في الآفاق؛ لأنها آمنت بقيمة «وشاورهم في الأمر» وانطلقت من منصة «ولقد كرمنا بني آدم»، وصمدت الحضارة الأوربية أكثر من أربعة قرون؛ لأنها باحثه عن النقد، ولا تخاف منه، وتمارس المراجعة وتحترم الإنسان عقلاً ورأياً وكرامة، وتتعامل معه كشريك وليس كتابع. في دبي أكثر من 5000 فكرة إبداعية في جلسة عصف ذهني واحدة؛ للمشاركة في صناعة مستقبل وطن بأيدي ابنائه. المنتخب البرازيلي يفوز بكأس العالم عبر هدف حاسم صنعته 11 تمريرة ل 8 لاعبين، وهنا روح الفريق تتجلى. في شركة تويوتا اليابانية، تُعقد حلقات النقاش ليس لمناقشة واقع الشركة فقط، بل لعلاج المشاكل العائلية للموظفين؛ لأنهم يعتبرون الإنسان موردهم الأول. في ماليزيا شارك الطلاب والجميع طوال 3 سنوات في صياغة رؤية ماليزيا المستقبلية2020، حتى أن سائق التاكسي يحفظها عن ظهر قلب. ياصديقي.. أنا بحاجتك لتكمل نقصي وتسدد رأيي وتصوب خطئي، وتنصح لي بلسان المحُب وقلب المشفق، وتدفعني إلى الأمام إذا تخاذلت وتفخر بي إذا حلقت. كلنا أبخص، هي لوحة معبرة وقع عليها الجميع، تتعانق حولها الأيدي، وتتصافح القلوب والأفكار.