هذا العالم يموج بالمتناقضات، وليس أمام المرء سوى التبرّم والضيق من نفسه. - يا أخي الكريم: وجود التناقضات هو من طبيعة الأشياء، ولكن التبرّم لا يجدي لأنه يكشف عن سوء فهم للواقع. - لكن التبرم هو ردّة فعل طبيعية من الفرد تجاه ما لايناسبة من الأشياء التي تحيط به. - لأنه، ببساطة، لم يفهم تلك الأشياء على حقيقتها. - مثلا، هل لاحظت أن بعض برامج التلفزيون في رمضان هذا العام ذات مستوى أقل من المتوقّع؟ - لا يهم إن كنت لاحظت أو لم ألاحظ. - بل يهم، لأنك مشاهد، ومن حقك أن تستمتع بوقتك. - استمتع بوقتك، يالاقي خير، على كيفك، لكن لا تنتقد أي شيء. - بل الانتقاد وسيلة من الوسائل التي يرى فيها أصحاب العمل عملهم من خلال عيون غيرهم، فيطوّرونه أو يصلحون مافيه من خلل غاب عنهم. - ما أنت بحاجة إلى الانتقاد ولا أهل العمل بحاجتك، لأنهم، باختصار، أبخص بعملهم. - لا أنكر أنهم أبخص بعملهم، ولكن مادام هناك طرف في العمل وهو المشاهد الذي وُضع له العمل أساسًا، فمن الأهمية بمكان أن يُعرف رأيه على الأقل. - معرفة رأي المشاهد لا يقدّم ولايؤخر، يعني بالعربي: مثل قلّته. - لو غيّبت المشاهد، فلمن تقدّم عملك؟ - أنا ما غيبت ولا حضّرت، المهم، جاك العلم! - كيف؟ - إذا ماجاز لك البرنامج، يا أخي، ما أنت مجبر على مشاهدته. - يعني أنام! - بكيفك، المهم تسكت. - على منهجك، لو أن كل شيء لا يعجبنا تركناه، لانتهينا بلا شيء. - أهم شيء تأكل وتنام. - الأكل والنوم من متطلبات الحياة الأولية، لكن الناس تبحث عما هو أسمى من ذلك من متع العقل والروح. - علّمتك العلم الوكاد، إذا ماجاز لك شيء اتركه. - يعني لو لم يعجبني كتاب أو مدينة أو عمل فليس أمامي سوى التجاهل والهرب؟ - وصلت على خير. - لكن أصحاب العقول النظيفة لايرضون بهذا المنهج. - بل يرضون لأن عقولهم نظيفة من أي أفكار لا ضد ولا مع أي شيء. - هؤلاء عقولهم خالية وليست نظيفة. - إنها نظيفة لأنها خالية، وخالية من شدة نظافتها. - ما أصعب الحياة على شخص مثلي عقله غير نظيف بمثل نظافة عقلك. - توّك عرفت السنع! - طيب، لو وافقت على ترك أي شيء لايعجبني؛ فهذا الرأس، ماذا أصنع به؟ - إليا غثك، رح دحرجه في أول حفرة، واسلم. - الله يسلم عقلك.