قرأت قصة لرجل يدعى ألبيرت ليسكي، كان يعمل ملمع أحذية في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، قرب مستشفى للأطفال، وكان يقضي ثلاث ساعات للذهاب إلى عمله والعودة إلى منزله، وبرغم أن راتبه لا يتجاوزك 800 دولار شهرياً (تقريباً3000 ريال)، إلا انه استطاع أن يجمع مبلغ 200.000 دولار أي (تقريبا 750.000 ريال) وكان هذا المبلغ هو مجموع البقشيش الذي جمعه خلال 31سنة -وهي مدة عمله بالقرب من مستشفى الأطفال- ليس الغريب أنه لم يصرف شيئاً من البقشيش طوال ال 31 عاما الماضية، التي كان يعمل فيها، بل الغرابة تكمن في القرار الذي اتخذه وهو تقديم هذا المبلغ كتبرع لمستشفى الأطفال، التي عمل بالقرب منها كل هذه السنوات! ألبيرت ليسكي لم يكن ثرياً ولا حتى من الطبقة المتوسطة، لقد كان رجلاً كادحاً فقيراً، برغم ذلك آثر على نفسه، وتبرع بثروته التي جمعها خلال ثلاثة عقود، مؤكدا أن جلوسه بالقرب من المستشفى طوال هذه الفترة كان هو السبب، فهو يشاهد يومياً مئات من الأطفال المرضى ويشاهد الأطباء والطواقم الطبية وهم يعملون على إنقاذ حياة هؤلاء الأطفال، فقرر أن يساهم بجزء من هذا العمل النبيل.. أعتقد أن ألبيرت يستحق أن يكون قدوة في الإنسانية.. بل إن أي إنسان يقرأ قصته سيؤمن بأن احترام الإنسان لا يكون لأجل لبسه أو مظهره أو نسبه أو أصله، بل لأجل القلب الذي ينبض داخله، لأجل الإنسانية التي تغمر كيانه، ولأجل العطاء وقيم الإيثار التي يتمتع بها، وهي القيم التي تزيد من عظمة الإنسان -أي إنسان- ومن مكانته في قلوب الآخرين. يجب ألا نعتقد أننا أفضل من أحد، مهما كان، ولا نحتقر أي شخص أبداً؛ لأنه قد يكون أفضل منّا بمائة مرة.. أعتقد أن من هذا الموقف النبيل من هذا الرجل الكادح الفقير، عدد من الدروس التي نستفيد منها، لعل من أهمها: أننا نستطيع التوفير وجمع المال مهما كانت حاجتنا إليه، وفي نفس الوقت لا يكون جمعنا لهذا المال من أجل أن يستعبدنا، وإنما يمكن أن نسخره لمساعدة أنفسنا ومساعدة الآخرين، ولكن الدرس الأهم أن حتى الفقراء يرحمون وينشدون مساعدة المحتاجين، وقد يكونون أكثر شعورا بألم الآخرين.. ألا يذكرنا موقف ألبيرت الأمريكي، بقوله تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ». إنه الإنسان هو الإنسان، وصدق الله العظيم!!