كنت أقلب في صفحات برنامج ( instagram)، فشاهدت كثيراً من الصور لأشخاص يستعرضون ممتلكاتهم، الساعات والحقائب والسيارات، وشاهدت صوراً لأبطال كمال الأجسام وألعاب القوى الذين يبرزون عضلاتهم المروعة والمتضخمة بشكل غير طبيعي ويستعرضون بها أمام الآخرين. وبعد قليل وقعت على صفحة غانم المفتاح الطفل القطري الذي يبز مع والديه كل من استعرض بمقتنياته المالية أو عضلاته الجسدية. لم أنم وأنا أتنقل بين صوره وفيديوهاته التي تعرض مجموعة قوى مختلفة تماماً، وعلى رأسها قوة الإرادة التي تفعل المستحيل، بل تقضي عليه لتفعل ما هو أجمل وأكبر منه. المستحيل الذي نراه نحن الأصحاء قريباً منا ومانعاً كبيراً يعترض طرقنا، وكان غانم يراه بعيداً بل لا يكاد يراه! غانم طفل ولد بإعاقة شديدة جعلت الأطباء يتوقعون أن حياته قصيرة جداً! ولكن المشيئة الإلهية كانت مختلفة عن توقعاتهم، ومن ثم جاء دور العزيمة الفولاذية من والديه ليسلحاه بقوة الإرادة والعزيمة والإصرار، ليعلن غانم بنجاحاته عن ضعفنا وعن عدم صبرنا أمام أبسط الأمور، وعن مبالغتنا في استخدام ألسنتنا؛ لنبرر ضعفنا وتقاعسنا عن بذل الجهد والمقاومة أمام كل ما يعترض طريقنا. السيدة ايمان العبيدلي، والدة غانم، كانت قد رفضت إجهاض ابنها الذي كان تؤاماً لآخر معافى، وهيأت نفسها وزوجها الذي قال حين رفضت الإجهاض بعد أن علما بإعاقته: سأكون أنا قدمه اليمنى وأنت قدمه اليسرى، واستقبلا معاً ابنهما الذي ولد كنصف انسان ولكنه النصف الأهم الذي كان غانم به قادراً على تجاوز كل الصعوبات التي واجهته بفضل من الله ثم بمساعدة والديه، حتى صار (غانم الرابح) الذي ربح تجربة انسانية صعبة جداً، غير أنها لم تمنعه من دخول المدرسة التي احتاج قبل دخولها إلى تهيئة خاصة ليست به، ولكن تهيئة الأطفال الآخرين الأصحاء لاستقباله وبالتالي تهيئة المبنى، ومن هناك انطلق في تعلمه وابراز قدراته الرائعة في التعامل والتحدث والتعبير عن نفسه ومن ثم اتقان رياضات كثيرة، هذا غير المعنويات العالية التي يزينها غانم بابتسامته الجميلة جداً. كل هذا مكنه من أن يعيش حياة أكثر اكتمالاً من كثير من الأطفال والكبار الأصحاء مكتملي الأجساد، غير أنهم فقراء جداً في قدراتهم العقلية التي لا تعينهم على مقاومة الكسل والتراخي أو تحدي الظروف التي وجدوا أنفسهم فيها أو استجدت في حياتهم لسبب ما، فيجعلون منها قيوداً تكبل أرواحهم وقدراتهم، فيمتنعون عن العمل أو الدراسة وعن الإندماج في مجتمعهم بفاعلية وانتاج . كل الكلام لا يكفي للتحدث عن غانم الذي لا تملك إلا أن تحبه من قلبك وأنت تراه يمارس الحياة بشكل طبيعي ويتفوق على كثير من الأصحاء رغم الصعوبات، فيظل مبتسماً وملهماً وقوياً وجميلاً في روحه وفي دروسه التي يطرحها أمامنا بكل جمال انساني رفيع المستوى يحمله في عقله وقلبه ويسند الاثنين بكفيه الصغيرتين اللتين يعتمد عليهما في تحركاته. إقول إن الكلام لا يكفي إذ لا بد لكم من زيارة صفحته والتعرف عليه أكثر ،والأهم أن تعرفوا صغاركم عليه؛ ليكون ملهماً ومعلماً لهم في كثير من تفاصيل الحياة، لعلهم يستمدون منه شيئاً يحفز طاقاتهم ويشحذ قوة إرادتهم ليتعلموا ويتعلموا ويتعلموا.