مثل الفيل متعدد اللغات الذي يثير الجنون، الإنترنت لا ينسى. يسجل التأملات السياسية الشابة للأجيال القادمة جنباً إلى جنب مع المشاركات التي تتحدث عن الحنين إلى الحب على فيسبوك، والصور المثيرة للألم، والسجلات اليومية لكلية الشرطة، والإعلان عن حفلات الزفاف المشؤومة. وهذا ما ألهم صياغة حق أساسي جديد، واحد لم يكن يحلم به أي فيلسوف من عصر التنوير: الحق في أن تكون منسياً. أصبحت المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي، وهي الهيئة القانونية الأولى في الاتحاد، لجعل هذا الحق في النسيان أكثر من فكرة مثيرة للاهتمام: في مايو، قضت بأن شركات محركات البحث مثل جوجل يجب عليها إزالة وصلات إلى نشرات تخص مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يطلبونها إذا كانت "غير مناسبة، أو غير ذات صلة أو لم تعد ذات صلة"- حتى الوصلات التي لا تخالف القانون والصحيحة والتي لا تزال على شبكة الإنترنت إذا كنت تعرف أين تنظر اليها. وعدم الامتثال يمكن أن يؤدي إلى فرض غرامات. عشرات الآلاف من الطلبات تواصلت في تتابعات غير مقصودة، ولا تزال تتراكم. قال البروفسور فيكتور ماير شونبيرجر، من جامعة أكسفورد: "لدينا أساس في تراجع النسيان. لقد بدأ الماضي بمتابعتنا". في الاتحاد الأوروبي، عند البحث في جوجل عن معظم الأسماء ينتج الآن هذا الإشعار: "ربما تمت إزالة بعض النتائج في إطار قانون حماية البيانات في أوروبا" وبحلول منتصف يوليو، كان أكثر من 70 ألف من طلبات الإزالة التي تغطي 250 ألف من صفحات الويب قد أزيلت من لجوجل وحدها. وهذه شملت طلبات متعددة، مثل الطبيب الذي تلقى ملاحظات سلبية، أو رجل أدين بحيازة صور الاعتداء على الأطفال، وسياسي سابق يسعى لاعادة انتخابه. وقالت المحكمة إنه يتعين على شركات البحث (وينطبق هذا الحكم عليها فقط) العثور على "توازن عادل" بين حقوق الخصوصية والمصلحة العامة، لكن (المحكمة) لم تقدم إلا القليل من التوجيه للقيام بذلك. بالضبط كيف تقوم جوجل، ومحرك بنج (التابع لمايكرسوفت)، وياهو، ومحركات البحث الأخرى في تحديد أي الطلبات التي ستحترمها، وكيف تقوم المواقع بالطعن في قرارات المحاكم ضدها، فهذه أمور غير واضحة. وكان لدى العديد من الصحف البريطانية وصلات لمقالات منقحة من نتائج البحث ثم حذفت في وقت لاحق. روبرت بيستون من بي بي سي أعرب عن أسفه لأن كتاباته قد تُلقى "في غياهب النسيان" بعد اختفاء وصلة مدونة إلكترونية لنشرة كتبها عن ستانلي أونيل، الرئيس السابق لميريل لينش. يفترض بيستون أن الاحتمال هو أن أونيل اشتكى وطلب إزالتها؛ كان في الواقع شخص ما قد علق على هذه النشرة. اقترحت الاحصاءات في وقت مبكر أن المجرمين يمكن أن يكونوا نسبة عالية نسبياً من المهتمين في النسيان. فكرة أن يكون لك هناك الحق في أن تنسى لها جذور في المفهوم الفرنسي يسمى "حق النسيان"، وهي تقوم على فكرة أن العمل الطائش في الماضي والتجاوزات يجب ألا تطارد الشخص وتلاحقه كظله إلى الأبد. وفي السنوات الأخيرة، حاول الأكاديميون مثل فيكتور ماير شوبيرجر، وهو أستاذ في جامعة أكسفورد، تطبيق المفهوم إلى واقع أن المعلومات عند دفنها مرة واحدة في أكوام من الورق قد تصبح متاحة على الفور في كل مكان. النظم القانونية الأوروبية تميل إلى إعطاء الخصوصية وزناً أكبر من ما هي في الولاياتالمتحدة من حيث تحقيق توازن الحمايات الشخصية ضد حرية التعبير؛ في قرارها، وجدت محكمة العدل الأوروبية في الاتحاد الأوروبي أن الحق في النسيان كان له الأساس القانوني في توجيه البرلمان الأوروبي عام 1995 الذي يوفر الحماية للبيانات الشخصية. حكمت المحكمة لصالح المدعي الإسباني الذي كان قد اعترض على النتائج التي عرضها محرك البحث بشكل بارز وكانت تُظهِر إشعارات قانونية في اشارة الى ديونه القديمة. وجد القاضي أن محركات البحث التي وصفها بأنها أدوات "التحكم" في البيانات، وهي أقرب تقريباً إلى شركات التصنيف الائتماني، وبالتالي يجب احترام طلبات الجمهور لإزالة الروابط المعترض عليها عنهم. (مع وجود استثناءات قليلة، مثل روابط الشخصيات العامة). يريد البرلمان الآن جعل الحق قانوناً صريحاً، ولقد وجدت بعض الشركات فرصة عمل واعدة. ويقول نشطاء الخصوصية إن القرار يمكن أن يوفر الإغاثة من السلوك الحاقد على شبكة الإنترنت، فضلاً عن بداية جديدة للأشخاص الذين يريدون نسيان أخطاء الماضي. ويقول مفوض العدالة في أوروبا إن إزالة الروابط ليست عبئاً غير معقول على شركات البحث. ويقول منتقدو جوجل إن الشركة قد تستفيد من بؤس الآخرين عن طريق بيع الإعلانات المتاخمة لنتائجها. ويقول المدافعون عن حرية التعبير إن جوجل الآن تغري رقابة المعلومات، وتحد حرية الصحافة وتنقح التاريخ. ويقول البعض أيضاً إن المحكمة فرضت أمراً غير معقول على شركة خاصة (وخارج الاتحاد الأوروبي)، ومهدت الطريق لبعض المآزق المنطقية الثقيلة. جوجل تعتقد أن الناس الذين ينشرون المعلومات ينبغي أن يكونوا هم المعنيون بالتعامل مع المخاوف المتعلقة بالخصوصية؛ وأنها تكره حكم المحكمة. ماير شوبيرجر يعتقد أنها لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية. كما وجدت وكالة في الاتحاد الأوروبي أن تطبيقه سيكون "من المستحيل عموماً" ومن الذي، بعد كل هذا، سيدفع ثمن كل شيء؟؟