اخترع هاملتون الخلاط الكهربائي 1901م ولأن النجاح له خطوات لمزيد من النجاح فإن الخلاط الكهربائي له علاقة بالمصحح، وهو سائل أبيض اللون يستخدم لتغطية أو صبغ الأخطاء في الطباعة، الذي عربناه بشكل مرعب «الطامس»، لكن ما تلك العلاقة الغريبة؟ اكتشفت هذه المادة من قبل «بيت غراهام» سنة 1951م عندما كانت تعمل في مصرف في تكساس، حيث قامت بتحضير الخلطة الأولى من هذه المادة في منزلها باستخدام الخلاط المنزلي، وباعت حق تصنيعه إلى شركة جيليت ب 4,7 مليون دولار سنة 1979م. نحن اخترعنا شبيها بالخلاط لكنه ليس كهربائيا، بل انه مصطلح لا يحتاج إلى براءة اختراع، تفتقت عبقريتنا عن اختراع مصطلح «الاختلاط» ويقصد به المكان الذي يجتمع فيه النساء والرجال للعمل أو الدراسة، وهو مصطلح مستحدث له مؤيدوه وغيرهم، وكما عبر أحد علماء الدين برفضه لهذا المصطلح، بقوله: «الاختلاط كلمة تعني أن نضع النساء والرجال في خلاط ونخلطهم» لكن كلمة الاختلاط كانت أقوى مما نتصور، فهناك عشرات المئات من الفتاوى تحوي كلمة الاختلاط، بل إن مما ذكرته لي احدى الزميلات أن مسئولا رفض الحديث معها عبر الهاتف إلا وبجانبها محرم لئلا يقع في رذيلة الاختلاط. كما أن مفهوم الاختلاط ترسخ في عقولنا الظاهرة والباطنة أيضا، من ذلك ولأننا تحدثنا عن الخلاط الكهربائي، أقول جازمة أن مبيع الأدوات الكهربائية تضاعف في رمضان، والأواني الفاخرة، والمأكولات لحد الاسراف، لماذا؟ ونحن الذين تعلمنا وتعمقنا في فهم أنه ومن خلال رمضان يتعود الانسان على حياة الزهد والبساطة والتفرغ للعبادة، ومراعاة الفقراء الجياع، والعديد من الفوائد الروحية والصحية التي يقتضيها الشهر الفضيل. لقد اختلط علينا الأمر، فلم نخلط الورق بالخلاط ونخترع ما يجلب لنا الملايين، بل خلطنا مظاهر الاسراف والمباهاة لحد التخمة، وشوهنا فضائل رمضان، التي بالطبع تمتد لما بعد رمضان، لكن الأرقام تثبت أن الموازين انقلبت ضد ما يحصل وما يجب أن يكون. ومن لا يعرف عن الإسلام شيئا، ويرى ملايين الصور التي تصور لنا موائد الإفطار والسحور وحفلات رمضانية ما أنزل الله بها من سلطان، يُخيل إليه أن هذا الشهر احتفالي ومميز، وأن العبادة فيه بالتقرب بموائد الطعام، والزينة الباذخة، ومصابيح ملونة، وسهرات ممتدة، ومسلسلات يعد لها بشكل خاص لتعرض في شهر العبادة والخير. لقد بالغنا في التبذير من استهلاكنا لكل شيء، المياه، الكهرباء، الملابس، الخدم، المظاهر بكل ما تحويه من شقاء لمستهلكيها، التبذير المحرم شرعا، نقف أمامه بكل ضعف، هناك إرشادات متواضعة بشأن ترشيد المياه أو الكهرباء، لكن ديدن حياتنا يتابعها ويغذيها باستمرار، بل إن المناهج التي تكلف الملايين، ترمى نهاية كل فصل في عقر دار الإنتاج الأخلاقي المرجو ، ساحة المدارس. كان أثرياء البندقية منذ قرون خلت ينظمون مسابقات ويبددون ثروات لتزيين قناديلهم لتكون الأجمل، ففرض اللون الأسود، حتى لا يتكرر هذا العبث الأناني. عبث أناني ، منذ قرون .....لا يوجد لدي تعليق.