أقر البرلمان الأوروبي يوم الثلاثاء الماضي 15 يوليو 2014 تعيين رئيس وزراء لوكسمبورغ السابق جان كلود يونكر رئيسا جديدا للمفوضية الأوروبية خلفًا للسياسي البرتغالي خوزيه مانويل باروزو، وذلك في أعقاب قرار حول هذا الصدد اتخذته قمة بروكسل التي انعقدت في 27 يونيو 2014، حيث تم اقرار تعيين يونكر بأغلبية 26 صوتا مقابل صوتين فقط معارضة، هما رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان. فعلي الرغم من أن ملف العلاقات بين لندنوبروكسل يحوي الكثير من العقبات والتحديات، الا ان هذه الازمة الاخيرة (ازمة يونكر) كانت الاكثر تصعيدا واثارة للجدل في تاريخ العلاقة بين لندنوبروكسل، حيث شن كاميرون حربا حادة ضد تعيين يونكر، وصلت الى التهديد علنا بان بلاده قد تضطر للخروج نهائيا من الاتحاد الاوروبي. ويمكن تلخيص اسباب المعارضة الشديدة والعلنية التي تعاملت بها لندن مع ترشيح يونكر لرئاسة المفوضية في عدة امور: اولا: ان كاميرون لا يريد أن يتولى رئاسة المفوضية سياسي متمرس يؤيد وحدة أوروبا، ويرفض الإعفاءات العديدة التي يطالب بها البريطانيون. فيونكر عمل في السياسة الاوروبية منذ فترة طويلة، ويصنف تقليديًا على أنه من دعاة إقامة «ولايات متحدة أوروبية»، وبالتالي فتوليه اعلى منصب في مؤسسات الاتحاد الاوروبي سيمنحه صلاحية اقتراح التشريعات الأوروبية وتطبيقها. وعليه فبريطانيا تخشى من هذه النزعة الفدرالية لدى يونكر ان يوظفها في العمل على نقل مزيد من الصلاحيات التي تعود للحكومات الوطنية الى بروكسل، في حين إن بريطانيا تعمل في التيار المعاكس لذلك: أي إعادة عدد من الصلاحيات السيادية إليها من بروكسل، مثل التعامل مع الهجرة وشؤون الدفاع والتعامل مع المصارف. ثانيا: إضافة الى ذلك فان يونكر ينتمي إلى حزب الشعب الأوروبي (EPP) الحزب الأكثر تمثيلا في البرلمان الأوروبي منذ عام 1999. وبالتالي سوف تعطي يونكر قوة في تمرير كثير من القوانين عند عرضها على البرلمان. وقد صرح يونكر بعد فوز حزب الشعب الأوروبي ب 212 مقعداً في البرلمان الأوروبي من أصل 751 مقعدا، بنسبة 28.5 في المائة ضمن التكتل والذي جعل منه التكتل الأكبر تمثيلا في البرلمان "سوف نتمتع بأغلبية واضحة داعمة لأوروبا في هذا البرلمان". وعليه يعتقد كاميرون ان هذا سوف يقوي النزعة الاتحادية، وهو ما لا تريده لندن. ومن جهة اخرى فإن عملية الاختيار ستكون في صالح البرلمان الاوروبي، كونها ستؤثر على ميزان القوى بين المؤسسات الاوروبية. فبتعيين يونكر رئيسا للمفوضية الأوروبية، والتي تعتبر رأس الجهاز التنفيذي الاوروبي، يكون القادة الاروبيون قد حرصوا على احترام معاهدة لشبونه للوحدة الأوروبية التي وُقعت عام 2007 ودخلت حيز التنفيذ 2009، والتي عززت المساواة بين المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي على الصعيد التشريعي. والأهم في معاهدة لشبونة القبول باقتسام قرار تعيين رئيس المفوضية مع المجلس التشريعي، بحيث أصبح بإمكان البرلمان قبول أو رفض المرشح الذي يقترحه القادة الأوروبيون. حيث يتعين على المجلس اختيار مرشح مع الاخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات البرلمانية الاوروبية، مما يعني التوسع في صلاحيات البرلمان التشريعية، ولا يقتصر دوره على تسجيل قرارات القمم او المجالس الاوروبية. وهو ما تعارضه بريطانيا، التي ترى ان دور البرلمان يجب ان يقتصر على التصويت على مرشح القادة. وتجرى الآن داخل اروقة الاتحاد العديد من المناورات لمحاولة استرضاء لندن ببعض التنازلات؛ لوقف موجة العداء السائدة داخلها لأوروبا، ومن ذلك تمكينها من مناصب هامة داخل المفوضية الأوروبية المقبلة، بشكل يمكنها من استعادة بعض من الصلاحيات التى تعزز نفوذها والتصدي للأطروحات المشككة في المشروع الاوروبي. كما إن لندن تريد التأثير على من يتولى منصب الرئيس المقبل للمجلس الاوروبي لإحداث توازن لصالحها داخل المجلس مع المفوضية الأوروبية والبرلمان. وتسربت بعض المعلومات في ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بدأت بالفعل إرسال رسائل ايجابية للندن، مفادها "إنها ستوافق على إعادة توجيه عمل المفوضية الأوروبية المقبلة، عبر اتفاق بين الدول الأعضاء على رسم وهندسة تحركاتها وبرنامج عملها مما يحد من هامش تحرك جان كلود يونكر". واخيرا بعد إخفاق رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في منع تعيين يونكر رئيسا للمفوضية الأوروبية، هل ستفلح الدول الاوروبية في استرضاء بريطانيا وثنيها عن الخروج من الاتحاد؟ ام ان ذلك سيكون الخطوة الاخيرة باتجاه خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ونقطة التحول التاريخية في العلاقة بين لندنوبروكسل.