إنها رسالة أكتبها إليك بمداد من الألم والأمل، رسالة تخرج من قلبي الدامي وأتمنى أن تصل إلى قلبك المؤمن والمثمر، رسالة طالما أرسلتها بالدموع والعبرات، وأنا أرسلها إليك اليوم بالكلمة والعبارة، رسالة لا يكتنفها الخجل لأنها رسالة من مسلم إلى مسلم، من إنسان يقع في دائرة الابتلاء إلى إنسان يقع في دائرة الاختبار. وفى دائرة الابتلاء الكثير من المشاهد التي أتمنى أن يتحرك لها قلبك وتدمع من أجلها عيناك وتمتد لمساعدتها والتخفيف من معاناتها يديك.. هذه المشاهد لم يبدعها خيال كاتب أو يصوغها ويركبها تصوير خادع.. بل هي مشاهد مسرحها كل يوم هو بيتي ومسكني، وأبطالها هم أنا وأسرتي وأولادي. تأمل معي –أدام الله عليك فضله- مشهد الأب الذي يعانى قلة الحيلة وقصر ذات اليد، الأب الذي تعود في كل يوم وليلة أن يرى في أعين أولاده صورة الحرمان وطلب الكفاف، الأب الذي غاب عن منزله مشهد الفرحة بقدوم الجديد أو الفرحة بوجود المزيد. الأب الذي يخشى المواجهة والتصريح بعدم الوجود. الأب الذي يضحي بلقمة عيشه في سبيل أن يمنح أولاده ما يسد رمقهم. الأب الذي يرفع يديه في هجع الليل إلى الخالق عز وجل طالباً منه أن يمنحه وأولاده الصبر على البلاء، وراجياً القرب من الله بالبلاء. في دائرة الابتلاء هناك أيضا مشهد الأم المكلومة التي يعتصرها الألم وهى ترى فلذات أكبادها يقض الفقر مضاجعهم، ويفسد عليهم ريحانة طفولتهم، الأم التي لا تملك أن تسيطر على عاطفة الأمومة أو تكبح جماحها وهى ترى رضيعها وهو يصرخ متململاً من ضعف الغذاء وقلة الكساء. في دائرة الابتلاء هناك مشهد الطفل الذي لم يعد ينطق كلمة «أريد» فهو يعرف أنه لا مجيب. الطفل الذي لم يعد أمامه سبيل سوى أن يفرح بما يملكه غيره، وليته يشعر بالفرحة، وكيف يشعر بالفرحة وهو لا يملك سوى أن يشاهد، يشاهد ولا يطلب. في دائرة الابتلاء الكثير من المشاهد والمواقف التي يتحرك لها الصخر، وأنت أخي أبداً لن يكون قلبك أقسى من الصخر، ما دام هذا القلب يسكنه حب الله وحب الخير وحب العطاء، أبداً لن يكون قلبك أقسى من الصخر ما دام هذا القلب يشعر بآلام الآخرين وأحزانهم، أبداً لن يكون قلبك أقسى من الصخر ما دام هذا القلب عامرا بشكر الله على أفضاله، أبداً لن يكون قلبك أقسى من الصخر ما دام هذا القلب يسعى حثيثاً نحو التقرب إلى خالق الكون بالقول والعمل. أبداً لن يكون قلبك أقسى من الصخر ما دام هذا القلب يشعر بالرجفة والشفقة وهو يتأمل مشاهد الفقر في دائرة الابتلاء. أخي المسلم أرجو منك أن تضيف مشهدا جديدا في دائرة الابتلاء، مشهداً يخفف من حدة مشاهد الأسى والحرمان، مشهدا تمتد فيه يداك بتقديم المساعدة والعون لأخ لك في الله لا يطلب سوى حقه المشروع في أن تمتد إليه الأيادي بما يكفل له ولذويه أدنى متطلبات الحياة. أخوك الفقير