حداثة مفهوم الأمن البيئي تجعلنا نتقصى كثيرا عن تفاصيله، وسبق أن استعرضت تعريف المفهوم وأهميته وبنيته الأمنية التي يتطلبها العصر خاصة مع تعقيدات الحياة وانصراف الكثيرين عن قضايا الوعي الأمني التي تحفظ سلامتهم وصحتهم العامة. وفي الحقيقة فإن هذا النوع الأمني يكتسب مزيدا من الحضور في نشاط وحيوية المجتمعات، لارتباطه بالصحة والأمراض. فالإنسان ابن البيئة، وإذا لم يحسن احترامها وتقديرها والعناية بها وحمايتها من المهددات والمخاطر يترتب على ذلك مشكلات تتعلق بحياته وصحته. الأمن البيئي في العرف العام يغطي مناطق تبدأ من النطاق المحلي وتتسع بعد ذلك لتشمل دول العالم أجمع، بل والكرة الأرضية برمتها، ويمكن تبسيط النظرية والرؤية بإلقاء حجر في الماء لتنتج عن ذلك دوائر تتسع تدريجيا. وتلك هي حالة هذا الأمن في سياقه المكاني، حيث تعيش المجتمعات، وحسب ذلك التدرج في الدوائر تتسع المخاطر والمهددات، وبالتالي فإن هذا الأمن لا يقل أهمية - بأي حال - عن غيره من الأنواع الأمنية المتعارف عليها، واختراقه قد يؤدي لنسف استقرار مجتمعات وبيئات حيوية وسكانية كبيرة أو صغيرة. يمكن أن يكون اختراق الأمن البيئي وسيلة فاعلة لتدمير المجتمعات والشعوب، وبوابة لحرب ناعمة وهادئة، فحين تنتشر عدوى مرضية أو آفة في بيئة بعينها أو إطلاق غازات قاتلة أو تتسبب في أمراض مزمنة، أو الانشغال عن بعض العادات التنظيمية السليمة. كل ذلك يسهم في تدمير المجتمعات وما يعيش معها من كائنات حية، وحين نتعامل بإهمال مع سوسة النخيل التي تدمر الزراعة أو غازات المصانع التي يمكن أن تتسبب في أمراض مثل السرطانات القاتلة، فإننا نمارس انتحارا ذاتيا. وهكذا تتعاظم المخاطر التي تتعلق بالأمن البيئي ما يعزز الرؤية والاتجاه لإيقاف أي اعتداءات على البيئة وسلامتها. ومع اتساع وشيوع هذا المفهوم فإن هناك اتجاها دوليا لمزيد من التنسيق فيما يتعلق بالبيئة، لأن هناك أضرارا حقيقية وكارثية أكبر من تلك التي تتظاهر بشأنها المنظمات المدنية المعنية بالبيئة. فالحياة الإنسانية تتعرض لمخاطر تتطلب تفعيل أدوات هذا الأمن ووضع الأنظمة التي تواكب الاحتياج الفعلي له، وذلك يتطلب تبادلا معرفيا للمعلومات والبيانات وتطوير تقنيات الرصد والمتابعة في جميع البيئات البحرية والبرية والجوية حتى يتحقق المعنى المتكامل للأمن الشامل في المجال البيئي. دون احترام وتقدير فعلي للبيئة لا يتصور أن تنعم البشرية ومجتمعاتها بحياة هادئة وصحية وبعيدة عن المخاطر. فهناك أخطار من الإنسان نفسه، سواء بقصد وتعمد منه أو جهل به، وفي جميع الأحوال هناك مجرمون بيئيون ينبغي وضع حد لجرائمهم بحق البيئة. كما أن هناك عاملا آخر في هذا السياق، وهو أن العوامل البيئية تلعب دورا في إكساب الإنسان السلوكيات الإجرامية. لذلك من منظور النسبة والتناسب، كلما سلمت البيئة انتجت أفرادا أكثر استقرارا نفسيا وأمانا، والعكس، لذلك فإننا في جميع الأحوال نحتاج الى بيئة طبيعية سليمة وآمنة تمنحنا حياة هادئة بعيدة عن المنغصات والأمراض والمخاطر الصحية، وذلك يتطلب الارتقاء بمفهوم الأمن البيئي نظاما وتنظيما ووعيا بيئيا يعمل لأجله جميع المؤسسات الرسمية والمدنية ذات الصلة، لأن المسؤولية تجاه تحقيقه وبسطه جماعية ولا تتجزأ بأي حال من الأحوال.