واكبت التطور الحديث في أساليب الإنتاج والتوزيع للسلع والمنتجات زيادة كبيرة في حجم ومقدار المخاطر التي يتعرض لها المستهلك، حيث تترتب على زيادة الإنتاج في بعض الأحيان زيادة في احتمال غياب الرقابة على السلع والمنتجات وظهور فئة من التجار تهدف إلى السيطرة على آلية الأسواق والتحكم فيها، الأمر الذي ينتج عنه وجود بعض الانعكاسات السلبية على المستهلكين، كتزايد ظاهرة الغش التجاري والاحتكار وغيرها، حيث أصبحت الشركات الكبرى قادرة على غزو الأسواق في العديد من دول العالم خصوصاً التي لا يوجد بها أنظمة لمكافحة الاحتكار وفرض ما تراه من أسعار لمنتجاتها خاصة مع عدم قدرة الشركات الصغرى على منافستها. ويعرّف الاحتكار بأنه: «حبس السلع أو المنتجات والامتناع عن بيعها بالرغم من شدة حاجة الناس إليها وازدياد الطلب عليها حتى يرتفع ثمنها أو تنقطع عن السوق وذلك لأغرض اقتصادية أو سياسية أو غيرهما، وذلك بهدف جني أرباح طائلة وبصورة مخالفة للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها السوق». ويشمل ذلك حبس أو تخزين السلع والمنتجات للحد من حرية تدفقها إلى الأسواق. وللاحتكار صور عديدة فقد يكون الاحتكار فعلياً وقد يكون الاحتكار قانونياً وقد يكون الاحتكار بشأن قيام منافسة محدودة النطاق للسلع والخدمات. فالاحتكار القانوني يكون مصدره الأنظمة والقوانين وخير مثال على ذلك توريد الكهرباء والغاز والمياه والسكك الحديدية وغيرها. أما الاحتكار الفعلي فإنه ينتج عن سيطرة الشركات وتكتل المنتجين لسلعة أو خدمة معينة بغية توحيد شروط التعاقد مع عملائهم ويمكن التدليل على ذلك بشركات الاتصالات، والنقل الجوي وغيرها. وحتى يتحقق وصف الاحتكار للسلع والمنتجات والخدمات فلابد من توافر ما يلي، الأول: انفراد أحد المنتجين بالسلعة أو المنتج أو الخدمة واستئثاره بفرض سعر معين لها حيث يكون المصدر لهذا المنتج أو السلعة أو الخدمة ويتسم في غالب الأحيان بارتفاع السعر وعدم تعادل القيمة الحقيقية للسلعة أو المنتج. والثاني: عدم وجود بدائل قريبة لهذه السلع أو المنتجات أو الخدمات، الأمر الذي يترتب عليه زيادة نفوذ وسيطرة المنتجين بما قد يؤدي إلى الإضرار بمصالح المستهلك. ويترتب على الاحتكار العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر على المجتمع وتقف حائلاً بين المستهلك وبين الحصول على متطلباته واحتياجاته الأساسية ومنها ارتفاع مستوى الأسعار وتدنى مستوى المعيشة واختلال سياسة التوازن المالي والتجاري وتدهور حركة الإنتاج وانخفاض حركة التصدير والاستيراد وقتل روح المنافسة الحرة المشروعة، فضلاً عن العديد من الآثار الاقتصادية الأخرى التي يصعب حصرها. إضافة إلى الآثار الاجتماعية الناتجة عن سياسة الاحتكار ومنها غياب ضوابط مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات ومبدأ تكافؤ الفرص وانتشار الفقر وارتفاع نسبة البطالة وازدياد الفجوة بين طبقات المجتمع، وانتشار الرشوة والفساد والمحسوبية والغش والسرقة، وضعف وانهيار التكافل الاجتماعي وغيرها الكثير. ليس هذا فحسب بل يترتب على الاحتكار أيضا العديد من الآثار السياسية والأمنية التي تنبئ بحدوث انعكاسات سلبية على أمن وسلامة المجتمع وسلامة أفراده، وهناك العديد من الآثار السلبية الأخرى لظاهرة الاحتكار والتي يصعب حصرها أو الوقوف عليها في مقال محدود كهذا. وختاماً : سوف نتحدث «بإذن الله تعالى» في المقال المقبل عن كيفية معالجة ظاهرة الاحتكار في العديد من التشريعات القانونية، وعن العقوبات المقررة بحق من يمارس سياسة الاحتكار للإضرار بمصالح المجتمع ومصالح أبنائه. كما أود هنا أن أتوجه باعتذاري للسادة القراء لأني سوف أتوقف عن الكتابة في عمودي الأسبوعي «رؤى قانونية» بمناسبة هذا الشهر الكريم وسوف نكمل الحديث ونلتقي على خير «بإذن الله تعالى» بعد إجازة عيد الفطر المبارك أعاده الله على وطننا الغالي بالأمن والإيمان والعزة والتمكين إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.