منذ حرب أكتوبر 1973، انتقل الفلسطينيون، من اعتماد الكفاح المسلح كسبيل لتحرير فلسطين، إلى تبني استراتيجيات أخرى، زاوجت بين المقاومة والنضال السياسي. وتزامن هذا الانتقال، بانتقال آخر، تخلت بموجبه منظمة التحرير الفلسطينية، عن شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، إلى القبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلها الصهاينة في عدوان الخامس من يونيو عام 1967. ورويدا رويدا، تخلت منظمة التحرير عن النضال المسلح، واتجهت لوسائل أخرى، شملت العصيان المدني، كما في انتفاضة أطفال الحجارة، في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. وكانت الانتفاضة الفلسطينية، قد نقلت مركز الجاذبية، في النضال الفلسطيني، وبشكل حاسم إلى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وتحديدا الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان بيان الاستقلال الذي تبناه المجلس الوطني الذي عقد بالجزائر آنذاك، قد تزامن مع مبادرات سياسية فلسطينية، كان الأبرز بينها: إلقاء الرئيس عرفات خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة لهيئة الأممالمتحدة، في جنيف، أكد فيه نبذ منظمة التحرير للعنف بكافة أشكاله، وأكد قبول المنظمة بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية. "إسرائيل" بالحدود التي قامت عليها، حتى الخامس من يونيو، ودولة فلسطينية مستقلة، وكاملة السيادة، بالضفة والقطاع، تكون القدس عاصمتها. وكانت تلك هي المقدمة التي عبدت لقبول الفلسطينيين بالمشاركة في مؤتمر مدريد، وأيضا التوصل إلى اتفاق أوسلو عام 1993، وقيام السلطة الفلسطينية منذ ذلك التاريخ. أمام هذه التحولات التاريخية، التي أقدمت عليها منظمة التحرير، والتي تنازلت بموجبها عما يقرب من 80% من فلسطين التاريخية، وتخليهم عن حمل السلاح، قوبلت تنازلاتهم بمزيد من المشاريع الاستيطانية الصهيونية، ومصادرة الأراضي، وبناء الجدران العازلة، وكل مشروع من هذه المشاريع يقتطع المزيد من الأراضي والحقوق الفلسطينية؛ لتأكيد أن مشروعهم حرب، وبالضد من كل مبادرات السلام. وكلما تزايدت الضغوط الدولية على الكيان الصهيوني، من أجل التوصل إلى حل يمنح الفلسطينيين الحد الأدنى من الحقوق؛ أمعن العدو في تصعيد عدوانه، تارة على القطاع، وتارة أخرى على الضفة. ما يجري الآن من عدوان صارخ على قطاع غزة، تسبب حتى الآن في استشهاد ما يزيد على الخمسين فلسطينيا، جلهم من المدنيين، هو عمل أخرق؛ للتهرب من الاستحقاقات، ومحاولة لكسب تعاطف الغرب، حيث يبرز العدو كيانه كضحية، أمام الإرهاب الفلسطيني، وليتلقى رئيس الحكومة، برقيات التأييد والمساندة من الولاياتالمتحدة، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، فيتحول الجلاد والقاتل، بطرفة عين، إلى ضحية، ويصبح القتيل هو الجلاد. وليصدق القول: يرضى القتيل وليس يرضى القاتل. المشروع الصهيوني، منذ تأسيسه هو مشروع حرب، وقد كانت ركائز تأسيسه، مذابح في دير ياسين وبئر السبع، وتهجير السكان الأصليين من ديارهم. وحروب عدوانية متواصلة على العرب والفلسطينيين، لم تتوقف منذ تأسيس الكيان الغاصب حتى يومنا هذا. سيتواصل العدوان والتوسع الصهيوني، فهو السبيل، كما كان نهج الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، باستمرار، لمواصلة التنكر للحقوق الفلسطينية، التي أقرتها المواثيق الدولية. مواجهة العدوان، تقتضي التسامي فوق الجراح، وإنهاء الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية، والعربية، واتخاذ موقف عربي موحد، تستخدم فيه كل وسائل الضغط السياسية والاقتصادية؛ من أجل إيقاف العدوان، وإنقاذ الشعب الفلسطيني المظلوم. كخطوة على طريق فرض تطبيق القرارات الدولية، بما يؤمن الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني.