استمتعت كثيراً وحلقت أكثر وأنا أقرأ مقالاً دريّا للدكتور الأديب الشاعر عبدالرحمن العشماوي بعنوان (الاغتسال الروحي) ياله من عنوان وقع على جرح فأصاب في غير مقتل. كثيراً ما نشعر بقذارة روحية ونتن نفسي جراء تراكم الترسبات الدنيوية في زخم الحياة المادية المعاصرة، وهذا هو طابع عصرنا عصر الانفجار التقني والثورة المعلوماتية الذي يعصر روحك ويطحن إيمانك تحت رحى المواكبة والمسايرة والرهبة من التخلف عن ركب العالم؛ فإما أن تحاذي القافلة أو أنت في الساقة ولن يعبأ أحد بك إن هويت أو تعثرت. عجلة الوقت تمضي قدما وتراك تمضي ساعات ليلك ونهارك محدقاً أمام شاشات مختلفة الأحجام ومتباينة المقاسات، فأنت تقفز من شاشة لأخرى حتى يحين موعد الفراش، والنفس تأسن والقلب يئن والإيمان يستغيث، أين عالم الغيب يا عالم الشهادة ؟ هل لهذا القلب من نزهة إيمانية وخلوة ربانية أو جلسة استرخاء يجدد فيها نبضه؟ هل لهذه الروح من دورات غسيل مكثفة تقشع عنها غبار التسمر أمام الأضواء وتجلو عنها الصمم الناجم من صخب الحاضر وضوضائه؟ غاب في عالم الاتصال المتناهي في السرعة؛ التواصل الأخوي والتناصح واندس في غياهب الازدحام آثار خطى التواصي بالحق والاصطبار ، باتت قلوبنا أسيرة أعباء التكاليف الكثيرة؛ وأمست أرواحنا دفينة أوساخ الدنيا، أعيتنا الشكاوى وأثقلتنا الهموم. أما آن لك من غسل أيتها الأرواح المثخنة الجراح؟ أما آن لهذه النفوس الهشة من خشونة صابونية تدعكها لتحط عنها درنها ؟ آه لتلك الأيام حين كنا نحتضن كتاباً نسامره حتى تغفو أعيننا، حين كنا نستمع شريطاً يوقظ جذوة الإيمان فينا ، حين كانت تقسو قلوبنا حتى تهاتفنا أخوتنا فتبعث من جديد موت إيماننا، فأين نحن اليوم وأين بلغ منا النتن ؟! هيا أحبتي لنشمر عن سواعد الجد وندع عنا الأسى على الماضي لنستحم ونغسل أرواحنا بماء الإيمان، ونستعطر بزهر التوبة، لتكون أجوافنا حدائق غناء وواحات خضراء في هجير هذا الزمان. دامت قلوبنا عاطرة بالإيمان.