من حديث مع مؤمن التقيته قال لي: أعتقد بأن كل محنة أو تجربة مؤلمة نمر بها، من المفترض أن تجعلنا نعيد النظر في الكثير مما نعتقد، أو نرى به صوابا، وأنا هنا حتى لا أساء فهما، لا أدعي بأني صاحب تجربة كبيرة، تجعل مني متفلسفا على الآخرين، وأنا الذي في كل يوم أتعلم من أصغر عباد الله سنا، ولكن أدعي بأن الله رزقني نعمة -لاحظ قلت رزقني الله يعني الفضل الأول والأخير له سبحانه- منذ أن تذوقت حلاوتها، لم أر الخير إلا فيها بل كل الخير خلاصتها هي -ما عند الله باق وما عند عباده ينفد- هذه الكلمة القصيرة لو دخلنا في أعماق أعماقها وقرأناها قراءة الحصيف المحلل؛ لحزنا على كنز لن يسع الأرض والسماوات بحجمه، فجميعنا على سبيل المثال نقرأ كتاب الله ولكن هناك من يقرأ ولا يخرج إلا بالكلمات دون المعنى، وهناك من يقرأ ويخرج بالمعنى أو بعضه، ولكن لا يصل إلى أعماقه ليتحسسه برهافة حسه، وهنا يتبخر المعنى ولا يتبقى منه إلا لقلقة لسان. وهناك من يقرأ بعمق ويجد في آيات الله كنوزا لا تحملها خزائن الأرض والسماوات، خلاصة الحكمة والإيمان التي لن يجدها في كتب الدنيا، حتى لو اتسعت صفحاتها بكل قول لحكماء الأرض وفلاسفتها، ولأنه ذلك الإنسان المرهف الحس يلزم هذا الأمر وكله إيمان وطمأنينة يحسده عليها العباد، ومن هنا يبدأ التوازن النفسي، علاقة الإنسان بالإيمان ومدى درجته في نفسه، فكلما قويت درجة الإيمان بالله في نفسك؛ ازدت طمأنينة وسكونا. يا أخي.. ابحث عن الإيمان وليكن مبتغاك الأول قبل كل شيء، نقطة البداية لكل حلم لكل هدف لكل غاية سامية في هذه الحياة الدنيا، لطمأنينة وسعادة لا أظنك ستجدها لدى الفلاسفة، وإن وجدتها فهي لطف من الله رزقهم إياه، ألم أقل لك يا أخي في بداية حديثنا "ما عند الله باق وما عند عباده ينفد". حينها سألته * وكيف أصل لدرجة الإيمان هذه أعطني خلاصة تجربتك قال: سوف أتحدث عن المصدر ولن أتحدث عن خلاصة تجربة العبد الفقير. قلت له لك ما تريد.. قال: ألم تقرأ الآية الكريمة «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» سورة البقرة آية 269 قلت: نعم قرأتها كثيرا قال: أظنها إجابة لما سألتني إياه. قلت: لا.. أريد أكثر.. قال: خذ هاتين الآيتين من نفس سورة البقرة «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» آية 152، والآية الأخرى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» آية 153، كلنا نبحث عن الحكمة، وهو ما ذكرته الآية 269، والحكمة في تعريفها البسط: "وضع الشيء في موضعه"، فحينما نعي، لاحظ قلت نعي، ولم أقل نعرف؛ لأن شتان بين أن تعرف الشيء وتعيه، أن الحكمة مصدرها الله سبحانه ألا يعطي الراحة والطمأنينة للباحثين عنها، ولكن بشرط أن تجد الأذن الواعية، وهذا في ظني بداية درجة من درجات الإيمان إن لم تكن الدرجة العلية. أما في الآية 152 فتأمل قوله تعالى في أول كلمتين منها (فاذكروني أذكركم...) فحينما تعي بأن الحكمة مصدرها الله، والخير كل الخير عنده سبحانه، والوعد الذي لن تجد أصدق منه ممثلا بقوله تعالى (فاذكروني أذكركم)، ألا يخلق لك هذا الشيء في نفسك قوة إيمان بأن الله يذكرك طالما كنت في ذكره، فمحال والعياذ بالله أن يقطع الله -عز وجل- على نفسه وعدا ولا يفي به، وهو أن يذكر عبادة طالما هم ذاكروه، هذه الآية كلما أقرأها تخلق في داخلي راحة وطمأنينة لا أجدها في بقاع الأرض بما فيها، ولكن بشرط أن تقرأها بقلبك وجميع جوارحك. هذا يعطيك مناعة بأنه مهما تكالبت عليك المحن والأزمات، سواء كانت بفقد حبيب أو قريب أو مال أو مرض ألم بك أو أيا كان نوع المصيبة والاختبار، متذكرا الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» فحينما تعي أنت الصابر بأن الله معك، وهو وعد قطعه الله على نفسه، يخلق في قلبك طمأنينة وحلاوة إيمان، تكون خير سلوى ومعين في محنتك، تغنيك عن الأرض بما فيها. بعد ذلك، وجدته يتوقف عن الحديث قائلا: أجد في هذا ما يكفي والحر تكفيه الإشارة، ولكن قبل أن أودعك لدي نصيحة لك، ابحث عن قوة الإيمان بحث المشغوف بالشيء وسوف تجده. قلت له: أستأذنك أيها الصديق المؤمن، أنا كاتب صحفي، وسوف أنشر ما دار بيننا في مقال، كيف ترغب أن تكون خاتمة المقال. قالها دون تردد قل: «هذا من فضل ربي» وكفى..