قضاء الشيخ الفقية د/ ناصر الداوود في هذه المسألة يذكرنا بقضاة الرعيل الأول أمثال شريح وإياس وغيرهم .. وهي درس يحتذى في مراعاة غايات الشرع ومقاصده لمافيه تحقيق الصلاح.. والقصة يرويها الشيخ ناصر في موقعه وهي جديرة بالمطالعة ننقلها عن فضيلته باختصار وتصرف: الزواج الأول ومحو الأمية عندما بلغت الفتاة الرابعة عشرة من عمرها زوجها أبوها بابن عمٍها.. ومكثت معه خمس عشرة سنة.. أنجبت منه تسعة أولاد.. وفي السنين الأربع الأخيرة التحقت بمدرسة محو الأمية.. واختلطت بنساء بلدها.. فتبين لها الكثير من الأحكام الفقهية التي كانت تجهلها.. فأثر التعليم في سلوكها وعباداتها.. فلم يعجب زوجها تغيُّراتها الجديدة.. فبدأ في تعنيفها وهجرها وضربها.. فلم يزدها ذلك إلا تمسكاً بدينها.. ويأس الزوج من ثنيها عن سلوكها الجديد فطلقها.... فعادت لأخيها وصار وليها بعد وفاة والدها.. فاشتد في ضربها في أشهر عدتها.. فاشتكته لدى القاضي فأخذ التعهد عليه بعدم التعرض لها بسوء .. زواج.. ثم فسخ.. وحمل تقدم خاطب للفتاة ولأن أخاها لن يعقد لها عليه .. لجأت إلى مأذونٍ هرمٍ .. وشرحت له الأمر فطلب منها توكيل من تراه ليعقد لها .. فاختارت أحد عوام المحامين.. فعقد لها بوكالته عنها على خاطبها عند ذلك المأذون المجتهد !!!. علم أخُ المرأة بخبرها بعد شهرين.. فتقدم بدعوى طلب الفسخ .. فحكم القاضي بفسخها .. لكون زواجها بغير ولي شرعي ... وأمر بالتفريق المعجل بينها وبين زوجها فأبت العودة إلى أخيها لما تخشاه على نفسها ومن أهلها .. وطلبت حمايتها بدار الرعاية الاجتماعية .. فأجيب طلبها.. وبعد شهرين من التفريق طلبت المحكمة.. للنظر في العقد عليها من جديد.. لكونها حاملاً في شهرها الثالث.. فنظرت قضيتها على الفور خلاصة القضية سمعت دعوى المرأة وأبى أخوها تزويجها من خاطبها الذي فُسِخَ نكاحه منها .. وقال: لو تقدم لأختي رجل آخر غيره لوافقت عليه. ثم ثارت المرأة على أخيها... وأكثر أخوها من سبها وشتمها ولعنها.. فدل على كراهيته الشديدة لها ونفوره منها ونفورها منه ومن أهلها.. وظهر منه ما يدل على تعمُّد عضلها .. وكان زوج المرأة الأخير حاضراً، فقرر رغبته فيها.. وأنها حامل منه بحسب التقرير الطبي. تكييف الحكم الشرعي أولا : لم يبد الأخ أيَّ سببٍ لرفضه العقد لخاطب أخته ، مع وجود شهادة من مقر عمل الخاطب بحسن سيرته وسلوكه ، وأن راتبه سبعة آلاف ريال . ثانيا : طلبت إحضار اثنين من جيران الخاطب ، وهما من العدول عند شقيق المرأة فعدلا الخاطب. ورأيت أن بقاء المرأة على حالها فيه مفاسد ، وأن تزويجها بخاطبها المكافئ لها أصلح لأمرها !.. .ولما روي عن النبي وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا : فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ) .. وجاء في الاختيارات الفقهية لابن تيمية : وَمَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى غَيْرِ الْوَاطِئِ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ ، لا عَلَيْهِ فِيهَا ؛ إنْ لَمْ تَكُنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الإِمَامِ أحمد ، انتهى وهو ملحظٌ دقيقٌ مأخوذٌ من قوله عليه الصلاة والسلام {لا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ} . والزرع والماء - في قضيتنا - لذات الساقي وهو الزوج .. لكل ما تقدم : زَوَّجتُ المرأة من خاطبها والد حملها ، ولم يعترض أخوها .. فأخذ الرجل بيد زوجته في نفس اليوم من فضل المولى العلي القدير .