في عدد يوم الجمعة الموافق 14 محرم 1433 كتبت الأخت نجلاء السديري مقالاً أثار لدي شهية الكتابة حول ما يُسمى بثقافة الانتظار وأوضحت فيه ما يتمتع به الآخرون من احترامهم للمواعيد والصبر على الانتظار ومعالجة السأم والملل بالقراءة او ممارسة هواية مفيدة.. أما نحن فليس لنا صبر على الانتظار مهما كانت ولعل أول من يستحق الإشارة هو كاتب هذه السطور، فقد رجوت صديقاً يعمل طبيباً في مستشفى الظهران ان يحجز لي موعداً لدى طبيب القلب؛ ولأن مواعيد المستشفى تأخذ من شهرين الى ثلاثة أشهر فأبلغني ان موعدي مع الدكتور هو يوم الأحد الساعة الثانية والنصف ظهراً، وهذا أسوأ موعد بالنسبة لي؛ لأنه يأتي في وقت الاستراحة بعد الغداء ومع ذلك شكرت صديقي وتحمّلت الذهاب في الموعد المحدّد وانتظرت وسألت عن الطبيب فقيل لي ان لديه مريضاً ومضت نصف ساعة ثم نصف ساعة اخرى.. تململت وتصوّرت ان الطبيب غير موجود، فخرجت ثم فوجئت في اليوم التالي بصديقي يتصل ويتساءل: «اينك يا رجل»؟ لقد تأخر الطبيب في العيادة لأجلك فقيل له إنك خرجت.. قلت: نعم سئمت من طول الانتظار، فهل يمكن تحديد موعد آخر؟ قال: نعم ولكن بعد شهرين أسفت على ما بدر منّي استعجالاً دون داعٍ لذلك الاستعجال. كيف تكون لدينا ثقافة الانتظار؟ ستكون لدينا ثقافة عندما نتعوّد القراءة أو الاشتغال بهوايات بسيطة نقضي فيها تلك الفترات النافعة واحترام حقوق الآخرين الذين يجب أن نعتبرهم مثلنا، ولا يقلون عنا شأناً.. هناك تكون لدينا تلك الثقافة الراقية. ولنترك كاتب هذه السطور في ندمه على الموعد الذي ضاع منه وتعالوا ندخل الى احدى الدوائر والمؤسسات الحكومية لنرى الطابور قد أخذ وضعه النظامي فإذا بمراجع يأتي متأخراً فيغير على أول الطابور من ناحية الشباك ويحاول زحزحة الانسان الواقف في اول الطابور ليحلّ محله، فإن كان ذلك الواقف انساناً يحب الستر ولا يريد ان يتعارك مع هذا الطفيلي تنازل عن مكانه واما كان صلباً لا يهادن ولا يتنازل عن حقه فسوف ينشب الخلاف وترتفع الأصوات وقد يكون هناك اشتباك بالايدي وينشغل المراجعون في فض ذلك الاشتباك.. أو أن ينسل أحد الواقفين في الطابور ويقول لمن حوله: سأذهب لقضاء حاجة لمدة عشر دقائق.. رجاء احفظوا مكاني فيذهب ولا يعود الا بعد ساعة ويحاول العودة الى مكانه فاذا الطابور قد تغيّر رواده وتبدأ معركة اخرى. ولقد ضربت الأخت نجلاء مثالاً من الاوروبيين الذين تمسّكوا بالمظاهر الحضارية بشكل لا يحول بينهم وبينها حائل في أصعب الظروف لكنني أعطيها مثلاً من شعوب أقل مالاً وأقل تمدّناً ففي الهند رأيت طابوراً امام شباك التذاكر لركوب القطار وطابوراً امام شباك التذاكر لدخول السينما، وحتى في القنصليات السعودية في الخارج (آسيا) مثلاً نجد إخواننا أبناء الوطن يقفون أمام الشباك في جمع من البشر لا تعرف أوله ولا آخره، بينما الآخرون يقفون امام الشباك المخصص لهم امام الشباك الذي يجلس خلفه الموظف المنوط به إنجاز معاملاتهم، فيسهل عليه وعليهم الأمر دون ازعاج ودون حركة أو صوت احتجاج او تدافع. ومع الأسف فإن من أبنائنا واخواننا وأصدقائنا اولئك الذين يتزاحمون على الشباك من يقول لصاحبه: تعال نُضِع الوقت، فيسأله صاحبه كيف؟ فيقول: نلعب الورق او نشاهد التليفزيون.. وآخرون لا يسأمون من الحديث في الهاتف فيقضون ما بين نصف ساعة الى ساعة في أحاديث لا قيمة لها، وقد يدخل فيها الغيبة والنميمة فتكون الخسارة مضاعفة.. خسارة الوقت وخسارة هدر المال وخسارة الإثم.. فكيف تكون لدينا ثقافة الانتظار؟ ستكون لدينا ثقافة عندما نتعوّد القراءة أو الاشتغال بهوايات بسيطة نقضي فيها تلك الفترات النافعة واحترام حقوق الآخرين الذين يجب أن نعتبرهم مثلنا ولا يقلون عنا شأناً.. هناك تكون لدينا تلك الثقافة الراقية.