أعرب مجلس الوزراء في ختام جلسته أمس برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عن تمنياته بنجاح مساعي الجامعة العربية لإحلال السلام في سوريا، وبما يحقن دماء الأشقاء السوريين. وهذه أمنية كل عربي وكل إنسان يشاهد المجازر اليومية التي ترتكب في شوارع المدن السورية، ضد مدنيين عزل لا يطلبون سوى أن يعيشوا بكرامة تليق بشموخ بلادهم في التاريخ وعطائها الطويل السخي للإنسانية. وقد أعطت الجامعة العربية مهلاً عديدة طويلة للنظام السوري، واستجابت لرغبات وسطائه، أو حلفائه القديمين والجدد، على الرغم من أن ميلشيات النظام مستمرة في سفك الدماء، بل وأصبحت أشد شراسة وقسوة، والآلة الإعلامية للنظام تعانق آلة القتل، بمزاعم محاربة المسلحين الإرهابيين، مع أن الأممالمتحدة تشهد أن نسبة عالية من القتلى في سوريا من الأطفال، بشكل يفرغ حجة النظام بوجود مسلحين إرهابيين. وعلى أية حال، فإن المراقب للأحداث وتصميم السوريين على استعادة كرامتهم، واستقلال بلادهم، لا يظن إلا أن المسلمات التي كانت قائمة قبل مارس الماضي قد تغيرت كلياً. وأن السعي إلى إحلال السلام في سوريا يجب أن يأخذ بالاعتبار أن السوريين قد اجتازوا نقطة العودة الممكنة إلى الأوضاع السائدة قبل انتفاضة درعا في مارس الماضي، وأن ممارسات النظام وأساليبه الوحشية لإسكات الثائرين، قد تخطت حدود التسويات كما يبدو. الأممالمتحدة وثقت أربعة آلاف قتيل في سوريا، ولكن المعارضة تقول إن هذا الرقم متواضع جداً فيما يتعلق بالحقيقة، ويضاف إلى ذلك آلاف المفقودين، وعشرات الآلاف من المعتقلين، وهذا يعني أن المعارضة قد لا تقبل تسويات بوجود النظام ورموزه، مما يعني أن السوريين قد صوتوا باحتجاجاتهم ومظاهراتهم ودمائهم على مستقبلهم وقرروا الأسلوب الذي يودونه حاكماً لهم، وهو، طبقاً لبيانات المعارضة، نظام شرعي وعادل ووطني يخرج البلاد من التبعية للقوى الخارجية، ويوظف طاقاتها لخدمة مواطنيها، وتعزيز نهوضها الاقتصادي والاجتماعي، ويحفظ فعلياً هويتها العربية، وسيادتها، وكرامة مواطنيها. وواضح أنه يتعين على النظام السوري، إذا ما كان صادقاً في السعي إلى إحلال السلام والإصلاح في البلاد، أن يتخلى، أولاً، عن غروره وشعاراته المتكررة، وألا يستخف بتصميم مواطنيه وشجاعتهم، وأن يعترف أنه يقود البلاد ضد خيار مواطنيها ويوظف سوريا لخدمة القوى الأجنبية التي تستهدف العروبة هوية وكياناً ومستقبلاً. وأن أولى الإصلاحات أن يصغي إلى نبض الشارع، وأن يوفي بالوعود الإصلاحية التي تعهد بها مسؤولوه. وهي وعود لو كانت صادقة لأمكن البدء بتطبيقها منذ شهور، فتشكيل لجنة تحقيق محايدة بالجرائم التي ارتكبت، والعفو عن المعتقلين والغاء المحاكم الجائرة، والغاء فقرة هيمنة حزب البعث من الدستور، لا تحتاج لاجرائها وتطبيقها إلى ثمانية شهور من القتل وسفك الدماء.