اكد وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن المملكة تمثل النهج الإسلامي المعتدل، انطلاقاً من مبادئها الشرعية التي تأسس عليها كيانها على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما تسير عليه وتؤكده أنظمة الدولة. جانب من اللقاء (اليوم) وقال الوزير خلال استقباله الثلاثاء وفد هيئة الحرية الدينية الأمريكية بحضور نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور زيد بن عبدالمحسن الحسين إن المملكة تمثل النهج الإسلامي المعتدل، انطلاقاً من مبادئها الشرعية التي تأسس عليها كيانها على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما تسير عليه وتؤكده أنظمة الدولة. وأوضح وزير العدل أن قيم العدالة والاعتدال تمثل ثابتاً من ثوابت المملكة لا يقبل المساس به أو التنازل عن شيء منه تحت أي ذريعة، وأكد على أن الوطن والمواطن السعودي وهو يدين بالإسلام يستشعر سماحة دينه القويم وعالميته وخصائصه الحضارية، مستنبطاً من نصوصه المعاني العظيمة والتجليات السديدة في تعامله مع الآخرين، وهو بكل ثقة وثبات يتعايش مع غيره ويحاوره بلغة حضارية، ويتعاطى معه بأسلوب إيجابي، ينطلق في ذلك من تعاليم دينه الحنيف الذي أمره ببر الجميع والإقساط إليهم بمن فيهم من يختلفُ معهم في الدين، كما قال تعالى:»لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» ومن تعاليم الإسلام أن الكلمة الطيبة صدقة، وأنه في كل كبدة رطبة أجر وأن هذا المعنى الأخير جاء في سياق الإحسان للحيوان وليس فقط الإنسان، ومن تعاليم الإسلام عدم الإكراه في الدين، فكل شيء قد يقبل الإكراه ما عدا الفكر والاعتقاد، وكل شيء يمكن تحويله بأدوات الفرض والقوة ما عدا القناعات والأفكار، ومن هنا جاء النفي والنهي الشرعي على أنه لا إكراه في الدين، والإسلام لا يتعرّض لهذه القناعات ما لم تخرج عن إطارها المسموح به، ومن ذلك الإساءة والخروج عن النظام العام. الحوار البنّاء وأضاف الوزير إن دين الإسلام يرحّب بالحوار البنّاء، بل إن منهجه العلمي والعملي في التواصل مع الآخرين مبني على هذا المعنى الحضاري، الذي يمثل العلامة الأبرز في مفاهيم أدوات التواصل لديه، مشيراً إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله إلى حوار الأديان وإلى ثقافة الحوار والسلام في أكثر من محفل وعلى أكثر من صعيد، في سياق القيم الإسلامية التي تميّز خطابنا الإسلامي المعتدل، ويدركها أيده الله غاية الإدراك، لاسيما وهو من ذكَّر وأكد في حديث ذي صلة على عظم قدر أمتنا الإسلامية، وصعوبة تحدياتها في زمن تداعى الأعداء من أهل الغلو والتطرّف من أبنائها وغيرهم على عدل منهجها، تداعوا بعدوانية سافرة، استهدفت سماحة الإسلام وعدله وغاياته السامية، هذا أنموذج من أفق قائد هذه البلاد يترجم منهج دولته، ويعكس عدالة وموضوعية نظامه. وقال العيسى إن منهجاً هذه معالمه ينبذ أي أسلوب من أساليب التطرّف الديني، مشيراً إلى أن المملكة حاربت الإرهاب والعنف بكافة أشكاله وصوره، مؤكداً على أنه من إفراز التطرف والغلو. قضاء متجدد وبيّن أن قضاء المملكة يتميّز بمواكبته الإجرائية لتغيّر الزمان والأحوال والعادات، وقد أرسى في هذا مبادئ عدالة تنهل من القاعدة الأساس التي ينطلق منها، وهي تحكيم الشريعة الإسلامية، التي أمرتنا بالعدل حتى مع أعدائنا، وليس مع من نختلف معه في الدين فحسب، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون»، أما من نختلف معه في الدين ولم يطلنا منهم أذى فقد شرع لنا ديننا أن نَبرَّهُ ونُقسطَ إليه، وأكد على هذا بالحث عليه بقوله في نهاية الآية الكريمة: «إن الله يُحب المقسطين». صفحات مضيئة وبيّن وزير العدل أن تاريخ المملكة حافل بصفحاته المضيئة بوسطيته الدينية، واعتداله في المنهجية، ولم يعان من شيء كما عانى من الافتراء عليه بالارتجال، دون أن يكون ثمة سند يشهد للطرح الأحادي المتحامل، الذي يتلقفه كل من يفتقد معايير العدالة والإنصاف. وقال إن بيننا وبين كل من تأثر بالقول المرسل الحقائق، خاصة أن وطننا صفحة مفتوحة شعارها الصدقية والشفافية، ولا أدل على هذا من استضافتكم في هذا اللقاء وترحيبنا بأي طرح أياً كان، فلكل استطلاع إيضاح بمنتهى الشفافية لا نترجله، بل ندلل عليه بمعايير عدالة بلدنا بوجه عام وجهاز عدالتها ممثلاً في هذه الوزارة بوجه خاص، ولن نخفي شيئاً مما نعتقده ونسلم به، فإن أخفيناه فهو في معيار ديننا إثم يجب التحوّل عنه، حيث قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس»، فالمواقف العادلة والمشرفة مكانها في وجداننا وفوق رؤوسنا لأننا نفاخر بها، وليس في قيمنا الإسلامية أسرار ولا ممارسات نستحيي منها، أو نخشى عواقبها أو عدم تجانسها مع قيم العالم المتحضّر، بل هي التي تدعو إلى كل قيم حضارية رفيعة والبعد عن المعاني الوضيعة. معاناة من الإرهاب وأضاف: لقد عانينا من الإرهاب واكتوينا بناره، لكن بتوفيق الله لنا بسلامة فكرنا ورحابة منهجنا الوسطي المعتدل، ثم بتصميمنا وعزمنا استطعنا محاصرته والتضييق عليه، وهذه الآفة هي في طليعة أعدائنا وهي دسيسة فكرية تأسست على الغلو والانغلاق وإلغاء معنى مهم من أبرز معاني الشريعة الإسلامية، ومعانيها الرفيعة، وهي المرونة والسعة واحترام كرامة الإنسان، بصون كافة حقوقه، ومن حق أي شخص ومنهم المتهمون بجرائم الإرهاب الحصول على محاكمة عدالة لدى القاضي الطبيعي بكافة الضمانات، وعندما أقول ذلك، أنفي نفياً تاماً من موقعي كوزير للعدل معني بالعدل القضائي أن يكون أي من الموقفين محروماً من محاكمة عادلة وناجزة، أو من حق اللجوء إلى القضاء الطبيعي، فلا قضاء استثنائياً لدينا، ولا ازدواجية معايير في قيمنا العدلية، ولن نخفي أي حكم قضائي في هذا الشأن، أو غيره، بل نسعد ونسر بطلب أحكامنا للاطلاع عليها، فضلاً عن مبادرتنا بنشرها، لأننا نعتز ونفتخر بها، وقضاتنا مؤهلون تأهيلاً عالياً كون لديهم حصيلة قضائية كفيلة باستجلاء المستجدات خاصة في الجوانب الإجرائية، ومن خلال بحوثي ودراساتي واستطلاعاتي لم أجد نظرية دستورية أو قانونية متفقاً على صحتها وسلامتها إلا ولها أصل قوي وواضح في نظمنا الإسلامية ومبادئنا القضائية المستمدة من الشريعة الإسلامية، ومع هذا لا نستنكف عن الاستفادة من أي خبرة إجرائية أو أي فكرة لا تخالف نصاً في الإسلام، وأكد الوزير على أن العبادات في الإسلام لا بد من التقيّد في كل عمل فيها بالنص، في حين أن ما سواها يكفي عدم مخالفة النصوص فيها، والنصوص المقيدة في الجوانب المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والجنائية قليلة، لتعطي المجتمعات مساحة كبيرة أدت إلى سعة دائرة المباح والعفو والتي من شأنها أن تكل هذه المواد الحقوقية لظروف وفلسفة كل دولة. مصطلح الحرية وحول مصطلح الحرية قال الوزير العيسى: إن الحرية قيمة عليا من قيم الإسلام لكن يجب ألا تخل بالنظام العام، خاصة دستور الدولة، وأنظمتها، وهذا معنى انضباطها ومسؤوليتها، وأكد معاليه على أن هامش الحرية المتاح بضوابط المسؤولية والموضوعية المنبثقة عن النظام العام، يمثل في حقيقته ملمحاً مهماً في قيم عدالتنا، وهناك فرق شاسع بين الحرية والفوضى، ويكفي ما نشاهده من احترام أساليب التنوّع بتعايشه القديم والمنسجم مع إطار النظام العام للدولة، وهو حق لم ينشأ حديثاً، بل ترسّخ منذ تأسست الدولة على يد الملك عبد العزيز يرحمه الله.
أغلى القيم وأشار الوزير إلى أن عدالتنا الوطنية جعلت المواطن السعودي من أغلى القيم التي يمكن الاعتزاز بها، ومكّنته من ممارسة وأخذ كافة حقوقه الوطنية، وجعلت على هذه الضمانة رقابة قضائية قوية، بل إن في طليعة أجندة الدولة محاسبة كل مقصّر مع المواطن أياً كان مصدر التقصير ونوعه وفلسفته، إذ يستحيل أن نخرج في هذا السياق عن تعاليمنا الإسلامية التي أوجبت العدل والإنصاف ونهت عن الظلم، ومن ذلك الازدواجية في معايير العدالة التي لا يمكن أن تجازف مفاهيمنا فيها، فنسيء إلى أنفسنا قبل أن نسيء إلى غيرنا، نحن ندرك هذا ونعرفه حق المعرفة، وننطلق فيه من موازين العدالة الإسلامية وأنظمتنا المستمدة منها قبل أي شيء آخر. حق المقيم كما أن المقيم على أرض المملكة يحظى بالرعاية والاهتمام وفق تعاليمنا الإسلامية وأنظمتنا المستمدة منها، ويتمتع بحقوقه كاملة ومن ذلك الرعاية العدلية له في كل شؤونه، وحرية تصرّفاته مقيدة بالنظام العام، خاصة أنه على قناعة تامة به قبل أن يدخل أراضي المملكة، فهو من اختار المجيء إلينا ملتزماً باحترام نظام الدولة، ولكل دولة أن تختار نظامها وفق قناعتها، وما يميّزنا أن نظامنا نظام إلهي مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، ومن العدالة والمنطق أن يتفهّم المنظم السعودي خصوصية بلادنا التي تحتضن المقدّسات الإسلامية، فلسنا في هذا كغيرنا، وعلينا استحقاق إسلامي كبير، يقدّر الشعور الإسلامي ويرعاه، ولا يدخل في أي وجهات نظر تسبب من الإشكالات أكثر مما تجلبه من الإيجابيات، وهذه هي المعادلة العادلة التي يستوعبها كل منصف ينظر بمعايير المنطق والعقل، ويتمتع بسعة الأفق التي تتطلب منا النظر من كافة الزوايا لا من زاوية واحدة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى قناعة تامة لا شك فيها بسلامة الاعتبارات الموضوعية التي تتطلبها النظرة الشمولية، وبما أنني كنت رجل قضاء وعلى رأس جهاز العدالة حالياً فإني من خلال العديد من الوقائع والتجارب وجدت أن أكثر من تتولد لديه القناعة بهذه النظرة الشمولية بمعاييرها المنطقية هم رجال الشريعة والقانون.