انتقل إلى رحمة الله تعالى الأديب الكبير عبد الكريم الجهيمان عن عمر تجاوز المائة (1912-2011م), وكان رحمه الله من جيل الرواد المؤسسين للثقافة والصحافة في المملكة, وكان إبان تأسيس جريدته «أخبار الظهران» ( يصول ويجول بصلابة الفولاذ في صحيفة جريدته مطيحاً بجدران التخلف والجهل الفكري, رافعاً راية الحضارة الفكرية لتكون خفاقة في سماء الوطن ) على حد تعبير يوسف الشيخ يعقوب. كان رجلاً حراً بعيداً عن التزلف والنفاق, عانى كثيراً في مشواره التنويري نحو الكلمة الحرة وتأسيس الوعي, وناله ما ناله من الإقصاء من قبل المعارضين لتعليم المرأة في وقته, حيث كانوا يعدونه خارجاً, بينما كان رحمه الله رجلاً وطنياً حريصاً على إشاعة التعليم والمعرفة لدى كافة الأجناس والطبقات في الوطن الكبير. إن قرناً كاملاً عاشه الأديب الجهيمان يُعد كفيلاً بقراءة تجربته الشخصية من ناحية, وتجربة الوطن ومساراته الثقافية والفكرية من ناحية أخرى, وتتبع تلك القفزات التي انتقل منها وإليها, وبطبيعة الأمر فلن يكون هذا من خلال كلمات في مقال عابر , بل يحتاج لندوات وورش عمل تقام من خلال مؤسسات المجتمع المدني كالمجالس الأدبية الخاصة, ومنتديات ومواقع الإنترنت والإعلام الجديد لحساسية التجربة التي عاشها عبد الكريم الجهيمان وأبناء جيله مما لا تستطيع المؤسسات الثقافية التصريح به, لأنه صاحب سيرة ( لم تكتب بعد! وهي سيرة مثيرة شاهدة على تاريخ الوطن ) كما يقول محمد السيف. كان رجلاً حراً بعيداً عن التزلف والنفاق, عانى كثيراً في مشواره التنويري نحو الكلمة الحرة وتأسيس الوعي, وناله ما ناله من الإقصاء من قبل المعارضين لتعليم المرأة في وقته, حيث كانوا يعدونه خارجاً, بينما كان رحمه الله رجلاً وطنياً حريصاً على إشاعة التعليم والمعرفة لدى كافة الأجناس والطبقات في الوطن الكبير. لست بصدد التعريف والترجمة للفقيد, لكنني بصدد عمل مقارنة بين جيلين من أجيال الأدب العربي في المملكة العربية السعودية وهما جيلا الأدب ما قبل الجامعات وما بعد الجامعات, ولعلي أكون دقيقاً في تحديد الجامعات دون التعليم العام لأن جيل عبد الكريم الجهيمان كان من رواد التعليم والتعليم العام خاصة, حيث أعطوا هذا الأمر خلاصة حياتهم وتجربتهم ومؤلفاتهم وصاروا من أركانه الرئيسة لتعليمٍ استمد رؤيته وثقافته من قيم إسلامية وإنسانية وحضارية غير منغلقة ساهمت في تأسيس جيل الأدب العربي في المملكة بمفهومه الشعبي الإنساني, على العكس من جيل الأدباء الذين جاءوا من خلال عباءات الجامعات السعودية، فقد وجهوا مسارات الثقافة والأدب في المملكة نحو اتجاهات ونطاقات حزبية واتجاهات فكرية, وعلى سبيل المجال فقد كان الوعي بالأدب الشعبي لدى جيل الرواد وعياً مهماً في التأسيس الثقافي, وربما لم يخلُ مشروع أديب من المساهمة في الكتابة والتوثيق في هذا المجال, لكن جيل الجامعات وقف موقفاً معادياً من الآداب الشعبية, ورفض رفضاً كاملاً أن تكون هناك مقررات ومناهج لدراسة الأدب الشعبي وتوثيقه والنظر فيه بحجة أنه أدبٌ عامي سيهدم من منظومة الثقافة العربية الممتدة من العصور العربية الجاهلية والإسلامية وما بعدهما, وهذه النظرة في رأيي نظرة قاصرة وجاهلة وامتدت للجامعات مع موجات التشدد وتشكلات الأحزاب, لكن الجيل السابق لم تكن لديه هذه النظرة المتشددة, بل كان مدركاً ولديه مفهومه الإنساني الخاص بضرورة تبصير الأجيال بمختلف الآداب, وتأمل كتابات الجهيمان ( الأساطير الشعبية, والأمثال الشعبية, ورحلاته ), وكُتب عبد الله بن خميس, وحمد الجاسر, وغيث البلادي, وحمد الجنيدل, ومحمد العبودي وغيرهم فستجد أنها هي الكتب التي أسست للثقافة الأدبية المعاصرة في المملكة, وهي التي غذت أفكار الأجيال المختلفة وعززت المفهوم الواعي لفكرة الثقافة, الذين اطلعوا على هذه المشاريع من مؤلفات جيل الرواد سيدركون الفرق بينها وبين أدبيات الجامعات التي يدرسها أبناؤنا, ولم تلتفت الجامعات أو بعض أقسام اللغة العربية لهذه الثقافة الأدبية إلا بعد اطلاعهم على نظريات الثقافة الشعبية التي وصلتنا مع موجه الحداثة, حيث اطلعوا على نظريات السيميولوجيا, والشكلانية الروسية, وما بعد الحداثة, فعرفوا فيما بعد أن الآداب الشعبية ليست بهذه التهمة التي ألصقت بها, وليست هي حبيسة ثنائية اللغة (عامية فصحى) بل هي نتاج ثقافة اجتماعية وإنسانية مليئة بالأفكار والدلالات والقيم ما أثرى الدراسات الجامعية فيما بعد في بعض رسائل الماجستير والدكتوراة. كما لا أنسى ذلك الصوت الفردي الذي تزعمه الأكاديمي الشعبي الدكتور سعد الصويان عندما قدم أطروحاته العلمية عن الآداب الشعبية في الجزيرة العربية, لكنه وجد العنت والإقصاء من قبل كثيرين من مسئولي الجامعات ورؤساء أقسامها بسبب تلك الحجة الأيديولوجية التي تلاشت مع الأيام ولله الحمد. [email protected]