الانتصار عبر مقاعد البرلمان هو الانتصار الحقيقي للثورات العربية، ويمكن أن يدشّن هذا الانتصار مرحلة جديدة في ظل الاستقطاب الحاد للتيارات السياسية للعمل السياسي. في مصر شكّل الانتصار الذي حققته التيارات الإسلامية إشكالية عند الإعلام المصري إثر تخوّفات من أن يُصبح الانتصار احتكاراً للسلطة واستبداداً بها في مستقبل الأيام، وهي تخوّفات تعلن عن نفسها عند الكثير من النخب السياسية والفكرية في العالم العربي لكنها تظلُّ في مجال التخوُّفات الافتراضية ما دامت هذه الأحزاب والتيارات الإسلامية ارتضت الاحتكام إلى مبدأ المنافسة السياسية على الجماهير. استقطاب الجماهير من قبل تيارات الإسلام السياسي يجيء بعد فشل عقود من الخطاب القومي والعسكري لم تقدّم فيه تلك النخب أي تجربة يُعتد بها سواء في مجال الحريات والقوانين والعدالة والمساواة أو في مجال الاقتصاد والتنمية الوطنية لبلدانها، لذلك نزعت الجماهير إلى التيارات الإسلامية شبه المغيّبة عن مجال العمل السياسي كتجربة جديدة خصوصاً أن هذه التيارات تطرح بدائل برّاقة لم تمتحن في مجال الممارسة اليومية والواقعية وهو محكٌّ لابد أن تمرّ به تيارات الإسلام السياسي وهو ما يحتاج إلى فترة من الزمن يتم فيها امتحان صِدقيَّتها، وقوة طروحاتها السياسية في مجال القوانين والأنظمة والتطبيقات. إن ما نلحظه من مفاجآت في صناديق الاقتراع ببروز قوة التيارات الإسلامية ليس مفاجئاً خصوصاً أن هذه التيارات كانت في صلب عملية التغيير السياسي الحالي في الربيع العربي، ولها مجال في حشد الجماهير وديناميكية الثورة على الأنظمة الديكتاتورية سواء في مصر أو ليببا أو تونس وحتى في اليمن، وهي تستثمر انتصارها على أرض الواقع بذكاء نتيجة المتغيّرات العالمية والدولية وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط مع دول غربية فضّلت أن تتيح الفرصة للتغيير في العالم العربي على أمل أن تمدّ جسوراً مستقبلية لعلها تنجز ما لم تنجزه مع أنظمة جرّبتها، وجرّبت مناوراتها السياسية. لا شك في أنه ستكون هناك تغيّرات كبرى على مستوى الوطن العربي إذا استلمت هذه التيارات زمام السلطة، وقد تكون هناك تحوّلات على مستوى الخطاب السياسي والمدني، وقد تمت المرحلة بعدة تحوّلات وتصحيحات للمسارات في قادم الأيام خصوصاً عندما ينشأ صراع المحاصصة من قبل الثوار والحركات التي قادت الربيع العربي. الاحتكام لصناديق الاقتراع قد يرضي البعض، ويغضب البعض الآخر، لكن لا سبيل سوى القبول بالتجربة ونتائجها والخروج بأقل الخسائر فداحة، حتى لا نستهلك قادم الأيام بالصراعات المستمرة التي تعيق تقدّم الوطن العربي وتكبّل أجياله بحبال الانتظار الطويلة.