سقوط 41 قتيلاً وأكثر من 3 آلاف جريح في الاشتباكات التي دارت بين الشرطة المصرية والمتظاهرين منذ يوم السبت الماضي أمر يستدعي من المصريين التأمل كثيراً في الحال التي وصلت إليها بلادهم. إعادة المظاهرات بهذه الضخامة في ميدان التحرير من قبل الحركة الشبابية وبعض القوى السياسية تنذر بأيام حالكة السواد في مصر التي لم تخرج بعد من آلامها الكبيرة التي دفعتها لإزاحة رئيسها السابق حسني مبارك. في كل الثورات الكبيرة التي شهدتها دول العالم كان هناك ما يشبه الفوضى السياسية وعدم الوضوح في الرؤية من حيث الأهداف والتطلعات والثورة المصرية ليست استثناءً منها لكن التحوّلات التي نراها في المزاج العام المصري تؤشر على غياب البدائل وغياب التنسيق بين محركات الثورة من أحزاب نتيجة حسابات سياسية ومصلحية بحتة وكأن ما يجري في مصر غنيمة كل قوة سياسية تريد حقها دون تقدير سياسي واضح لحجمها وقوتها في الشارع المصري مما يؤذن بإطالة أمد الأزمة وتفرعها إلى أهداف جانبية من الصعب الوصول إلى توافقات حول التسوية السياسية النهائية. القوى السياسية التي ساهمت وشاركت في الثورة تدرك أن الفترة الفاصلة بين موعد الانتخابات النيابية التي تبدأ يوم غد الاثنين وبين حصصها واستحقاقها الانتخابي فترة حرجة، تتطلب المزيد من المزايدات السياسية ورفع سقف المطالب لإرضاء الجماهير وكسب عواطفهم، وكل ذلك يتم في فضاء مناورة سياسية مليئة بالفوضى والقتل وتأزيم للشارع، وهذا لا يتم في دول سبقتنا في المجال السياسي الديمقراطي. الخشية الدائمة هي نزوع فئات لاختطاف الثورات العربية وتجييرها لحسابها الخاص وفي مصر شيء من هذا القبيل يحدث. إن الاعتصامات والإصرار على رفض كل ما يأتي به المجلس العسكري في مصر ومواجهته ميدانياً في الشارع سوف تطيل الأزمة وقد تدفع البعض من المزايدين إلى رفض نتائج الانتخابات النيابية، وهو خوف علينا أن نأخذه بجدية. وضع الشعب في مواجهة المجلس العسكري وقراراته قد يطيل الأزمة ويدفعها إلى مسارات خانقة.. وكل الآمال أن يعي الشعب المصري وقواه الحزبية والسياسية والشبابية أن العالم العربي ما زال آملاً في إنجاز ثورة تتفوّق بنتائجها عمّا نراه في الواقع الحالي الضبابي الذي يجتاح الوطن العربي. هل تمضي التجربة المصرية إلى أهدافها الحقيقية؟ هل تصبح الانتخابات هي الفيصل الأخير لإنهاء أزمة الفراغ السياسي والقضاء على الشكوك؟ نعم أسئلة نتأمل أن تكون إجاباتها من رحم الواقع والتجربة في الأيام القادمة.