هذا اسمها «فاطمة أبكر» تظهرها الصورة وهي ترمي شباكها نهارا في إحدى جزر محافظة فرسان في منطقة جازان العظيمة. تلك المرأة التي تذهب للبحر لا من أجل أن تركب يختاً مؤثثا بالإسفنج، أو لتغطس أرجلها بالملح لتقشر لها الأسماك الجلد الميّت، ولا من أجل أن يشدّ طين حوافه تجاعيدها. صور فاطمة الأربع تظهر ولداً بقميص وردي بأكمام سماوية يقف أمام قصر أمه فاطمة، يظهر أخوه الذي اختفى نصفه بباب القصر، الصورة الثانية كانت لسمك مملّح ومنشور على حبل غسيل ليجف وسنعرف لماذا فيما بعد. الصورة الثالثة لولد يركب عربة، مايباخ؟ لا لا، بانوراما، اعتقد ولجهلي بالسيارات سألت صديقا بقربي، قال إنها داتسون غمارتين، السيارة بلا أبواب ويحفرها الصدأ حتى في مطاط كفراتها. الصورة الرابعة لفاطمة البحر، ونصفها في الماء بينما يشد محزم أعلى بطنها تحت صدرها الذي أرضع خمسة صغار ومات والدهم وبَنتْ لهم أمهم بيتا من «شينكو» وبقايا أشجار وملح وقشور سمك وصدأ الحديد. الصورة تظهر أطراف فاطمة مخضبة بالحناء ويظهر في إبهامها ما يشبه الخاتم، هذا ال «ما يشبه» لم تكترث هي بمعدنه بل بوظيفته كحلقة في خيط بلاستيكي تشدّ بها طرف شباك الصيد لكي تغيب في الماء طويلا. تلك الفاطمة التي تقول «رغم جمال طبيعة الجزيرة إلا أننا انشغلنا عنه بقسوتها». هي مثل نساء العالم، كان يمكن أن تذهب للسوق وتقرأ آخر رواية، وكتب تربية الأطفال على طريقة منتسوري، تعرف لون الألماس ومقاساته، تعرف حقائب الجلد ومصمميها، وتعرف الجينز ولونه، مثلما تعرف أن جزيرتها من أجمل أماكن العالم، لكن قسوتها دربتها على الخوض في الملح من أجل أن تلوي قبضة الموت جوعا وترميها للكلاب. مثلها فاطمة أخرى، ويا لقدر هذا الاسم: «لا نملك سوى الصبر في هذه الجزيرة» كانت ابنتها تناديها وتوقفت أمام سؤال الصحفي «موسى محرق» لتجيب بأنها ذاهبة للبحر. نساء قبلتهن البحر دائماً، فاطمتان وغيرهما من النساء اللاتي كبرن على الصبر والبحر والملح والأفواه، إحداهن ترعى اليتامى، وأخرى تتمنى لو أن في «قمّاح»، وهذا اسم الجزيرة، مركزا صحيا أو على الأقل ماء للشرب! قمّاح بها ثلاث سيارات ابتكر أهلها «حملها» على قاربين لنقلها للبر، إحداها التي ظهرت في الصورة الثالثة، المايباخ بالرقم الخاص أمام شاطئ الشاليه. تقول فاطمة «جميع (ويا إله الجميع) جميع الأسر في هذه الجزيرة تعيش حياة الفقر والعوز وأحمد الله أن منحني الصبر عليها ووفقني لسد حاجتي واحتياجات أطفالي بمزاولة هذه المهنة التي أغنتني عن سؤال الناس». في التقرير الذي نشرته جريدة الوطن للصحفي «موسى محرق» تحت عنوان «نساء من فولاذ» كانت فاطمة تردد عزّة النفس التي يربي عليها الصبر والقهر وفقدان الأمل والأيادي المكتوفة بالجوعى. هذا الفطام إلا من الحياة بينما نتدرّب نحن على اختيار الجداول من أجل بلاد العالم لنرى الترف بقمصانه الحرير، وكأن عشرة مساكن وعملا كريما معجزات لا نحتملها. [email protected]