قد يفعل الناس الخير في هذه الدنيا رجاء المصلحة أو الثناء أو خوفا أو حياء أو مسايرة للناس أو غير ذلك من الأسباب، ومع أن هذا الأمر أو السلوك له مساحة واسعة في تصرفات بعض الناس وبذلهم، فإن النفوس أحياناً تغفل عن أن هذا قد يغضب الله ويدخل صاحبه في دائرة الرياء والحرمان من البركة والإعانة في الدنيا والأجر في الآخرة إن لم يسلم من عذاب الله للمرائين والعياذ بالله. وقد تبدو هذه المظاهر في سلوكيات استقبال ووداع وابتسامة ومجاملة وحفاوة وإكرام وخدمة لمن وراءه مصلحة أو حتى يرجى من ورائه فائدة ولو كانت بنسبة ضئيلة، وقد تعدى الأمر حتى في اتباع الجنائز والصلاة عليها وزيارة المرضى، فأخذ كثير من الناس يعتني بمظهره ويلبس ما لم يكن اعتاد لباسه من بشت فاخر وعطورات نفيسة وساعة ونظارات وأحذية بل وحتى أزرار بماركات معينة كل ذلك ابتغاء أن ينظر له الناس بأنه شخصية هامة جدا أو هامة على الأقل كي تتيسر أموره بل تجده أحيانا يحتفي بالشخصيات المعروفة من سلام حار وقبلات ومحادثة ومجالسة من أجل أن ينضم لقائمة الشخصيات الهامة، لعل وعسى أن تنجز أموره ويعتنى به وبمعاملاته وبالخدمات التي يحتاجها لأنه علم -حسب فهمه- أن هذا هو الطريق الأقصر لتيسير أموره في الدنيا بسلاسة وذلك بسبب مشاهدات محدودة، وأخبار معدودة. ولربما نسي أو تناسى أن الأمر كله بيد الله، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله عليه. وانك لتعجب أخي القارئ ممن يقول عن من تعطلت به الأمور مع فقره وحاجته «ايش وراه حتى تفزع له» أو «هذا ما كتب الله له والقناعة كنز لا يفنى» أو من صنف الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فيقول «لا تتدخل فيما لا يعنيك فتسمع ما لا يرضيك» فيمنع الخير عن الغير. وهذا إن لم يكن باللسان فإنه يكون بالحال عند البعض. ألم يعلم أمثال هؤلاء أن من وراء الفقير المحتاج والضعيف ومن ليس له واسطة هو العزيز الرحيم ممن يقول للشيء كن فيكون؟ ألم يتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم «وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم». روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال «رُبّ اشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه» أي أن شعره متلبد يعلوه الغبار يُدفع لفقرة ورثاثته، لو أقسم على الله أي حلف يميناً بحصول أمرٍ لأبره الله ولأعطاه ما حلف عليه، وذكر حال هذا العبد من باب الإخبار وإلا فالعناية بالمظهر مطلوبة، ولكنه ليس الميزان الأساس عند الله لأن الله لا ينظر إلى صورنا وأجسامنا ولكن ينظر إلى أعمالنا وقلوبنا، فكل المظاهر والمناصب والأنساب والجاه والأموال لا تقرب إلى الله شيئاً ما لم تكن مقرونة ومنضبطة بما يرضي الله. فكم من دعوة رفعت ممن لا ينظر له ولا يأبه له أصلا وكم من دعوة ظن صاحبها أن تعظيم الناس له يصاحبه مكانة خاصة عند الله فردت بسبب أكل الربا أو تكبر أو اعجاب أو ظلم لضعيف أو احتقار للغير أو منع لحق أو منع زكاة أو قطع رحم أو رياء ومباهاة وهذا أو بعضه قد يحصل من كثير ممن توالت عليه النعم وبقي الضعيف سالما منها فكانت في حقه نعمة وحفظا فاستجيب له.