البخلُ خلافُ الكرم، والبخيلُ جمعه بخَّلٌ وبخَّالٌ، والمبخلة هو: السبب الذي يحمل على البخل للحديث الذي صححه الألباني (إنَّ الولد مبخلةٌ مجبنةٌ محزنةٌ) أي أنَّه مظنة لأنْ يحمل أبويه على الجبن والجهل والبخل ويدعوهما إلى ذلك. قال الجرجاني: البخل هو المنع من مال نفسه. والشح هو: بخل الرجل من مال غيره. وقيل البخل ترك الإيثار عند الحاجة. وقال القرطبي: البخل المذموم في الشرع هو امتناع المرء أداء ما أوجب الله تعالى عليه. وقال الجاحظ: البخل خلقٌ مكروهٌ من جميع الناس، إلا أنَّه من النساء أقلُّ كراهية، بل قد يستحبُّ من النساء البخل (والمقصود البخل بمال أزواجهن إلا أنْ يؤذنَّ بالجود) وأما سائر الناس فإنَّ البخل يشينهم، وخاصة الملوك والعظماء، فإنَّ البخل أبغضُ منهم أكثرُ مما هو أبغضُ من الرعيَّة والعوام، ويقدح في ملكهم لأنَّه يقطع الأطماع منهم ويبغِّضهم إلى رعيتهم) والبخل نوعان: بخلٌ بمقتنيات نفسه، وبخلٌ بمقتنيات غيره، وهو أكثرهم ذمَّاً، قال تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) النساء 37 والحديد24 . وقال الماوردي: قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة أربعة أخلاقٍ ناهيك بها ذمَّاً وهي الحرص والشَّرَه وسوء الظن ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول). وقال ابن قدامة المقدسي: اعلم أنَّ السخاء والبخل درجات، فأرفع درجات السخاء الإيثار وهو أنْ تجود بالمال مع الحاجة إليه، وأشدُّ درجات البخل أنْ يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيلٍ يمسك المال ويحرص فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعها منه البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء) ومن الآيات الدالة على ذم البخل قوله تعالى:( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) آل عمران 180، وقال تعالى:( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخلُ ومن يبخلْ فإنما يبخلُ عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإنْ تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) محمد 38. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبدٍ أبداً). وقال علي رضي الله عنه: البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة) وقال أبو حنيفة (لا أرى أنْ أعدِّل بخيلاً، لأنَّ البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة أنْ يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة) وقال بشر الحافي(لا تُزوّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أنْ يكون بخيلاً) وقال أيضاً: (النظر إلى البخيل يُقسِّي القلب، ولقاء البخلاء كربٌ على قلوب المؤمنين). وقال أبو إسحاق الموصلي: وآمرةٍ بالبخل قلتُ لها اقصري فليس إلى ما تأمرين سبيلُ أرى الناس خِلاَّن الجواد ولا أرى بخيلاً له في العالمين خليلُ وإني رأيت البخل يُزري بأهله فأكرمتُ نفسي أنْ يقال بخيلُ ومن خير حالات الفتى لو علمته إذا نال شيئاً أنْ يكون يُنيلُ عطائي عطاء المكثرين تكرُّماً ومالي كما قد تعلمين قليلُ وكيف أخافُ الفقر أو أُحرم الغنى ورأي أمير المؤمنين جليلُ والبخل أصلٌ لنقائص كثيرةٍ ويدعو لخصالٍ ذميمةٍ، وأنَّه دليلٌ على قلة العقل وسوء التدبير، وسوء الظن بالله، وأنَّه لا يجتمع مع الإيمان، وأنَّ صاحبه لا يكون سيَّداً. وقد علمتَ ما في البخل من مضارٍ متعددةٍ، فاحرص ألا تكون فيك هذه الخصلة الذميمة. وقل اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن.