منذ سبارتاكوس الذي وضع موضع التنفيذ أساليب التمرد على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان منذ العام 71 قبل الميلاد، ومروراً بكل هؤلاء الذين استلهموا تجربة سبارتاكوس العظيمة وصاغوا على مر التاريخ قيم العدالة والحرية والمساواة كما تجسدت في الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان، ووصولاً إلى ما يحدث اليوم من أحداث جسام في كل بلدان المنطقة، يمكن القول بكل ثقة إن مسيرة القيم الإنسانية لا تزال تشق طريقها ليس فقط في وجدان الأكثرية الساحقة من الناس بل وفي عقول أعداد متزايدة من القائمين على مراكز القرار في المؤسسات السياسية والاقتصادية والتربوية. في مسيرتها المتعرجة والقائمة على المد والجزر، تعرضت مسيرة قيم الحرية والعدالة والمساواة لصنوف التعدي والحجر والبطش برموزها وتزييف معانيها وأهدافها ليس فقط من خصومها وأعدائها بل وفي أحيان كثيرة على يد أدعيائها أو ممن توقفوا عن متابعة المسيرة وتحولوا إلى معسكرات العداء. في البلدان العربية، مثل القرن العشرين وتحديداً على الساحة السياسية فترة بداية وتجسد وازدهار قيم الحرية والكرامة الوطنية ومحاولات توطين مفاهيم العدل والمساواة وبعض حقوق الإنسان وحققت مسيرة القيم انتشاراً واسعاً وعريضاً على مستوى وجدان الأكثرية من الناس. ثم وفي غفلة من الجميع، تنتفض القيم ويصفق لها الجميع. العربة نفسها عربة مسيرة القيم والمؤيدون هم أنفسهم الأكثرية الساحقة من الناس والشعارات هي نفس الشعارات. العدل والمساواة والحرية ومحاربة الفساد والاستبداد. لا شيء جديد لا في المسيرة ولا في حمولتها. الجديد هو أن الناس اليوم أكثر وعياً وأكثر تحديداً في معرفة الخصوموفي المقابل، وعلى مستوى تجذير هذا الاحتفاء في أوساط الأنظمة الجديدة أو المتطورة، وفي ظل بنى اقتصادية متخلفة وبنى سياسية ناشئة ومضطربة، ومع حرب باردة ملتبسة القيم، كان لا بد لأطراف أخرى في دوائر صنع القرار من التماهي مع موجة التزييف العالمي لتفاصيل حمولة القيم. بدأت مرحلة طويلة من التزييف والتزييف المضاد وكانت الضحية مسيرة القيم حيث وبعد فشل العديد من التجارب في الادعاء بقيادة المسيرة وانكشاف خياناتها وسقوط سمعتها في وجدان الناس، استأنفت القوى المحافظة معركتها مع مسيرة القيم. في هذه المعركة، انضمت شرائح كبيرة من النخب إلى ركب المعارضة الصريحة لكل شعارات البدايات البريئة والصادقة لمسيرة القيم. رافق ذلك ارتفاع مزامير انتصار الرأسمالية على الاشتراكية، وبدأ المشهد كئيباً على منظر مسيرة القيم وحمولتها إلى درجة التبرؤ في بعض الأوساط. أعيد الاعتبار للأزمنة الغابرة واختزلت تجربة شعوب بأسرها وعلى مدى ستين عاماً بسلبياتها وإيجابياتها إلى مفردات من طراز أفكار طوباوية أو عسكريتاريا أو أوهام طفولية أو أيدلوجيات غريبة على شعوبنا. هكذا قبر كل شيء من أجل زراعة لا شيء. ثم في غفلة من الجميع، تنتفض القيم ويصفق لها الجميع. العربة نفسها عربة مسيرة القيم والمؤيدون هم أنفسهم الأكثرية الساحقة من الناس والشعارات هي نفس الشعارات. العدل والمساواة والحرية ومحاربة الفساد والاستبداد. لا شيء جديد لا في المسيرة ولا في حمولتها. الجديد هو أن الناس اليوم أكثر وعياً وأكثر تحديداً في معرفة الخصوم. ومع ذلك وفي أوج مشاعر الأمل الجديد، لا يتخلى الخصوم عن معركتهم الأزلية وهذا شيء طبيعي. الشيء غير الطبيعي هو أن يتصدى الطارئون الجدد على أوساط القرار للتشكيك في ضعف المسيرة نتيجة لما دبجوه في الماضي القريب من مقالات وأفكار عن نهاية الشعارات ونهاية الإيديولوجيا ونهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية واعتماد السوق ومعايير العولمة بدلاً من معايير القيم الأخلاقية بالرغم من كل ما أفضت إليه هذه السياسة من كوارث لا يزال دخانها يزكم الأنوف. ما يقوله شباب اليوم وشاباته ليس معقداً. إنهم ببساطة يطالبون بتطبيق ما تكرره وسائل الإعلام الرسمية في كل العواصم العربية والغربية. ليس الشباب وحدهم يعرفون اليوم وبالتفاصيل ما يدور في العالم بل حتى كبار السن وفي أي قرية نائية. بفضل جوجل وأتباعه يعرفون سبارتاكوس ويقرأون ما قاله عنه الشاعر المصري أمل دنقل : عندما قال: (لا) في وجه من قالوا نعم من علم الإنسان تمزيق العدم من قال (لا) فلم يمت، وظل روحاً أبدية الألم الناس يشيخون ثم يموتون.. القيم لا تموت [email protected]