"قالتْ: نصيّفُ في روما فقلتُ لها/ روما يصيِّفُ فيها مَنْ له مالُ/ قالتْ: فخذنا إلى بيروت.. قلتُ لها/ كيف السبيلُ وقد ضاقتْ بنا الحالُ/ قالتْ: فأين سنقضي الصيفَ قلتُ لها/ في الدار حيث يطيب القيلُ والقالُ/ قالتْ: فيا ليتني قد عشتُ عانسةً/ أو ليتَ زوجي، نجمَ الشعرِ، دلاَّلُ!" (ديوان/ ركلات ترجيح/ لكاتب هذه السطور). هذا حوار بين زوجين لا يملكان أجنحة تحلّق بهما بعيدا عندما تأتي الإجازة، ويحين موسم الهجرة إلى كلّ الجهات. لكن ثابت أفندي يمتلك أجنحة تقلّه إلى أماكن سياحية تناسب ظروفه المالية. وعندما يقترب موسم الهجرة إلى كل الجهات، يتيح فرصة للتشاور في كيفية قضاء الإجازة. تبدأ المفاضلة بين الأماكن: للكبار توقعاتهم وللصغار رغباتهم، ولا بد من التوفيق بين رغبات الكبار والصغار الذكور منهم والإناث. أما المكان الأوفر حظا فهو ذلك الذي يتسع لكل الأعمار والاهتمامات والأذواق، المكان الذي يلبي توقعات الكبار، ويدلّل الصغار ويدهشهم. يفضل ثابت أفندي أن يقضي إجازته مع العائلة في جهة تمتلك مقومات السياحة: نظام ونظافة وأناقة وخدمات ترفيهية وخيارات أخرى متنوعة. المكان الذي يقول له: "اطلبْ تجدْ" مصحوبة بابتسامة عريضة. يعرف ثابت أفندي أيضا أن الأماكن كالأشخاص في الخفة والثقل، والمرح والكآبة، والرقة والخشونة، والصخب والهدوء، والانفتاح والتزمت، والانغلاق وسعة الأفق، والأناقة والفوضى. هنالك أماكن واضحة الملامح وأخرى لا ملامح لها، لبعضها إيقاع مملٌّ رتيب، وأخرى متجددة حافلة بالنشاطات والفعاليات الترفيهية والثقافية والفنية، فهي تجمع بين المتعة والفائدة. يحب ثابت أفندي أناقة ورقيّ التعامل، ويزعجه حركات الشطار، والضحك على الذقون. لذلك لا يرتاد المطاعم التي تضاعف الفاتورة عندما تعرف أنه سائح خليجي. وللسبب نفسه فإنه يفضل سيارات الأجرة ذات العداد على تلك التي لا تستخدم عدادا، فإذا سألتَ السائق عن الأجرة قال: "إللي يجي منك".. وعندما تمنحه "إللي يجي منك" يرفع عقيرته متذمرا إلى أن يحصل على ضعف ما يستحق. يدرك ثابت أفندي أن هنالك أماكن منفتحة أنيقة حالمة دافئة ودودة جاذبة، وأخرى متجهمة باردة طاردة تتثاءب سأما، وتمنحك خدمات متواضعة وفقا لأسلوب تلخصه العبارة القائلة: "مشّ حالك" وقد تأخذ منك أكثر مما تعطيك. ومع الاحترام للرأي القائل إن الملل يكمن في النفوس وليس في الأمكنة، وأن الناس، وليس الأمكنة، هم مصدر الملل، إلا أن بعض الأماكن تصيب بالسأم أكثر الناس تفاؤلا وحيوية ومرحا وحبا للحياة. لا يخفى على ثابت أفندي أن بعض بلدان الجوار ذات طبيعة خلابة: أنهار وبحيرات وجبال وينابيع ومساحات خضراء، وشواطئ جميلة لكنها ليست بيئات جاذبة حسب معايير ثابت أفندي السياحية. هنالك منغصات تنتظر السائح وعلى رأسها الشطارة والفهلوة والشحاذة السياحية. وكما يهرب الناس من الشخص (الحِشَري) الذي يدس أنفه في شؤون الآخرين يتحاشى ثابت أفندي الأماكن التي لا تراعي خصوصيته. وباختصار، هنالك بلدان تمتلك مقومات السياحة الأساسية لكن ذلك وحده لا يكفي، وقد قيل: "لا يكفي أن تمتلك أوراقا جيدة لتضمن الفوز، لابد من امتلاك المهارة لكي تستثمر تلك الأوراق"! [email protected]