يقول: عنوان الخبر الذي أوردته «الحياة» الأسبوع الماضي «في ظل وجود 750 ألف مواطن خارج المملكة خلال إجازة الربيع... مشايخ وفنانون ورياضيون يروجون للسياحة الداخلية الأسبوع المقبل»، وفي التفاصيل أن مجموعة من الفئات المذكورة سيروجون للسياحة عن طريق ملتقى «السفر والاستثمار السياحي»، الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار، انتهى الخبر، والواقع أن عدد المسافرين في الإجازات الصغيرة والكبيرة يطرح سؤالاً موجهاً لهيئة السياحة والآثار، مفاده ماذا قدمت هذه الهيئة لاستثمار واقع سياسي فعلي يجذب المواطن والزوار للوطن؟ فالسياحة ليست ملتقى أو منتدى تُطرح من خلاله الرؤى والمقترحات بقدر ما هو فعل لصناعة السياحة، والفعل الصناعي لخلق سياحة جاذبة يتطلب تهيئة بنية تحتية قوية في منظومة متكاملة بين المكان والخدمات المتوفرة فيه، فأنا لا أستطيع كسائح مثلاً أن أتجه إلى غابة رغدان في الباحة، وهي وإن كانت غاية في الجمال والروعة إلا أنها خالية من مرافق الخدمة كوجود الفنادق في محيطها مثلاً، عدا خلوها من مطاعم، وكازينوهات، ومقاهٍ من الدرجة الممتازة التي يرضى السائح عما تقدمه من خدمة مريحة كفرد، أو مجموعات، أو أسر، لا يمكن للسائح أن يتكبد المعاناة ويقوم بحمل مستلزماته معه إلى هذه الغابة، أو غيرها من الأماكن السياحية طبيعياً من دون وجود الخدمة التي هي من أوليات المبادئ السياحية، وهذه الخدمات لا يمكن أن توفرها الدولة منفردة ما لم تكن هناك استراتيجية مسبقة تستند على الشركات، والمؤسسات الأهلية، ورجال الأعمال القادرين على الاستثمار في هذا المجال. بلادنا غنية والحمد لله بكل المقومات السياحية من آثار دينية، وآثار تاريخية، وطبيعة في المرتفعات، ومناظر جميلة في السواحل، في كل مناطق المملكة، والأماكن الأثرية بحاجة إلى إمكانات هائلة لترويجها سياحياً، بمعنى أن يكون هناك تنظيم لهذه الآثار تجمع بين عاملي الزمان والمكان، ويكون هناك موظفون يشرفون عليهما، إضافة إلى موظفين آخرين مهمتهم التعريف بالأثر وشرحه بما يصطلح عليه في الدول السياحية بالدليل السياحي، وإحاطة المكان بكل المرافق الحيوية السالف ذكرها، ثم المغريات السياحية الجاذبة للسائح، كتوفير القوارب، والسفن الصغيرة في أماكن السواحل لاكتشاف الجزر، أو الغواصات للتمتع بما تحت البحار من كائنات حية، أو أحراش بحرية، أو غيرها من المناظر التي تحتاج إلى التنقل والاستمتاع بالطبيعة البحرية، أو البرية. السياحة في معناها الشامل لا تعني التسوق في «مول» أو «مركز تجاري»، بل تعني اكتشاف الطبيعي غير العادي، والأثري المجهول، والتجول الصانع للدهشة والمتعة بما ينعش الإنسان معنوياً، ويدهشه معلوماتياً، ويبهره بالخدمة المميزة، ففي «مدائن صالح» مثلاً لن تكون هناك سياحة جاذبة ما لم تتوفر الفنادق، والحافلات، والعربات، والمقاهي، والجمال، والتلذذ بمشاهدة الصخور والكتابات الأثرية، الاستثمار في السياحة سيخلق للشباب السعودي فرصاً وظيفية هائلة يسبقها فرص دراسية للتدريب، والتأهيل عن طريق افتتاح كليات مختصة بهذا الشأن تعمل لتكامل المنظومة السياحية في كل الاتجاهات. إنه لمن المحبط أن يأتي الحجاج والمعتمرون إلى الأماكن المقدسة وهم متشوقون لسياحة تاريخية تدخلهم في فضاء الأحداث النبوية، والتاريخية التي يقرأون عنها في الكتب ولا يجدونها على الأرض التي حدثت عليها، بكل تفاصيلها ثرية بالاهتمام والاحتفاء بالتاريخ العظيم، لماذا يتجه الناس إلى دبي مثلاً، على رغم فقرها طبيعياً ولا توجد فيها مقومات سياحية كمدينة جدة مثلاً؟ فتش عن الخدمة، وفتش عن القوانين المريحة التي تجعل السائح يستمتع مع أسرته وأحبابه، بأجواء استثنائية تتيح له كل الخيارات في المطاعم، والمراكز التسويقية. [email protected] @zainabghasib