قبل أيام كنت في الشقيقة قطر وخلال أيام معدودات كنت شاهداً على عدة مناسبات مفرحة فإلى جانب عيد الأضحى المبارك كانت البلاد تحتفل بحصول نادي السد القطري على بطولة أسيا للأندية الأبطال وخلال العيد أيضا أعلن العاهل القطري عن إقرار اختيار أعضاء مجلس الشورى من خلال الانتخابات. كان العيد ذا شجون للإخوة القطريين -اللهم لاحسد- وإذا ما تجاوزنا الفرحة الرياضية –التي تحدث عنها أغلبية النقاد والمتابعين للرياضة الآسيوية- فإن الفرحة السياسية كبيرة ذلك أن مشاركة الشعوب في صناعة القرار السياسي المحلي والخارجي أصبح مطلباً جماهيرياً في كافة دول العالم، وربما كان احتكار السلطة عاملاً مساعداً للظلم والقهر الذي عانت منه الشعوب العربية التي انتفضت مؤخراً. وبالرغم من جرأة الخطوة القطرية واستحقاقها للاحترام فإن التساؤل الهام الذي يطرح نفسه اليوم هل الشعب القطري مستعد بعد سنتين لهذه الخطوة؟ ولنطرح السؤال بشكل أعم هل الشعوب الخليجية مستعدة لهذه الخطوة؟ وماهي الصلاحيات التي يمكن أن يتولاها مجلس الشورى؟ وهل سيكون تشريعيا صانعا للقرار؟ وهل ستساعد التركيبة الاجتماعية و الأدوات السياسية وبيئتها الإقليمية في تحقيق الديمواقراطية التي تطرح كطوق النجاة في أي زوبعة سياسة؟ لنختبر هذه الأطروحة علينا أن نقرأ التجربة السياسية الكويتية وما أفرزته من معطيات للمواطن الكويتي فبالرغم من الصلاحيات التي مُنحت لمجلس الأمة الكويتي فإنه ساهم في تعطيل التنمية، وتراجعت الكويت التي كانت مضرباً للمثل في التقدم إقليمياً إلى أواخر الركب ، ولم يُحاسب المجلس الحكومة بقدر ما ساهم في شلل عملها، بل إن بعض الكويتيين يعتبرون أن بعض نوابهم انتقل من آلية شراء الأصوات إلى بيعها لمصالح حكوميين أو جهات أخرى مما يهدد استقلال القرار الكويتي الخارجي ومكافحة الفساد محلياً. الشعوب الخليجية –في رأيي المتواضع- تحتاج إلى آلية حقيقية تنسجم مع طبيعتها وتحقق الأهداف التي وُجدت الديموقراطية بشتى أشكالها لتحقيقها، وإذا ما كانت التيارات الإسلامية تعترض على مفهوم حكم الشعوب أو المجلس التشريعي فإنها لا تختلف على مشروعية المحاسبة الشعبية للمتنفذين و ضرورة تأدية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاسيما الفساد السياسيوإذا ما مررنا بالتجربة المحلية السعودية سواءً في انتخابات الأندية الأدبية أو الغرف التجارية أو المجالس البلدية سيكون جلياً للعيان تأثير (الفزعات) على أساس العرق والمذهب والمشرب الفكري بدلاً من الانتخاب على أساس الجدارة أو حتى الوعود الانتخابية. فإذا تحول التمثيل الشعبي إلى تمثيل فئوي ثم كان مطيةً للمسئول بدلاً من محاسبته، وكان مساهماً في الفساد بدلاً من محاربته، وبات سلعةً يشتريها الآخرون لفرض إرادتهم وهيمنتهم على الشعوب أصبح ذلك التمثيل الشعبي مزوراً ولافائدة منه. إن الشعوب الخليجية –في رأيي المتواضع- تحتاج إلى آلية حقيقية تنسجم مع طبيعتها وتحقق الأهداف التي وُجدت الديموقراطية بشتى أشكالها لتحقيقها، وإذا ما كانت التيارات الإسلامية تعترض على مفهوم حكم الشعوب أو المجلس التشريعي فإنها لا تختلف على مشروعية المحاسبة الشعبية للمتنفذين و ضرورة تأدية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاسيما الفساد السياسي. إن أي شكل من أشكال الحكم وتداول السلطة جائز شرعاً (إذ لم يحدد الإسلام شكلاً واحداً) وعرفاً ( لتعدد الأعراف البشرية للحكم) طالما يحقق العدالة النسبية ومحاسبة من يملك الصلاحيات، وهي النقطة التي لاتبدو حاضرة بمثل حضور النداءات المتعالية المطالبة بتوسيع المشاركة الشعبية. باعتقادي: إن الشعوب العربية وبالأخص الخليجية ذات الطابع المعقد ديموغرافياً بحاجة إلى انتخاب هيئة ممثلة للشعب لمكافحة الفساد ومحاسبة المسئول تتولى أياً صلاحيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك أن الأمة لاتجتمع على ضلالة.. تحياتي،، [email protected]