يعتقد بعض المثقفين، أو من تطلق عليهم هذه الصفة عن حق أو عن باطل، أن المقياس والمحك الحقيقي لمدى سعة ثقافتهم وعمق وعيهم وبعد نظرهم هو مقدرتهم على الكلام والخوض في كل شؤون الثقافة وهمومها دونما استثناء على وجه التقريب، وهم لا يفوتون فرصة سانحة لهم كي يمارسوا شغفهم وولعهم بسماع وإسماع أصواتهم للآخرين الذين يتوجب عليهم أن يلزموا الصمت وأن يعتصموا به كي يتلقوا سيل المعارف وركام المفردات والعبارات المتأنقة التي لا ينتابها السأم من التحديق في مراياها سعيا منهم فيما يبدو لإشباع شهوة عارمة. ويزداد الطين بلة حين يكون من تنتابه شهوة الكلام هذه متاثقفا وليس مثقفا حقيقيا وكل ما لديه من رصيد ثقافي ومعرفي نزر يسير وقدر ضئيل لا يسد رمقا ولا يقيم أودا يدعمه ويسد عوزه بلسان ذرب ونبرة مترعة بالثقة وصوت يملأ الأسماع وإن لم يملأ العقول حتى ليخيل لمن لا يستطيع تمييز «الخبيث» من «الطيب» والزائف من الحقيقي أنه : أي ذلك المتثاقف، مصداق وتجسيد لما ينبغي أن يكون عليه المثقف وهو أبعد ما يكون عن تقديم الصورة الحقيقية للمثقف أو ما ينبغي أن يكون عليه. لن تعدم أن ترى من بين هؤلاء وأولئك من المنساقين وراء شهوة الكلام من يغمز من قناة المثقفين والمبدعين الذين يؤثرون الصمت في معظم الأحيان لأسباب عديدةولن تعدم أن ترى من بين هؤلاء وأولئك من المنساقين وراء شهوة الكلام من يغمز من قناة المثقفين والمبدعين الذين يؤثرون الصمت في معظم الأحيان لأسباب عديدة قد يكون من بينها أن الطلاقة اللفظية والمقدرة الكلامية إن صح التعبير تعوزهم ؛ وهذا أمر لا ينقص بطبيعة الحال من قدرهم ومكانتهم شيئا تماما. كما أن القدرة على الكلام والتعبير اللفظي لا تزيد قدر ومنزلة أولئك الذين يعشقون ويستلذون بسماع نبرات أصواتهم. إن الثقافة الحقيقية شيء والقدرة على تفتيق الكلام شيء آخر وليس من الضروري أن يجتمعا في شخص ما كي يصح لنا أن نطلق عليه لقب المثقف.