أستطيع القول أن من يسمون بالمثقفين لدينا، فيما يتصل بعلاقتهم بالشهرة، ينقسمون إلى فئتين: فئة تجنح للهدوء والعمل بصمت بعيدا عن صخب الإعلام وبهرجة الأضواء، وهي الفئة التي يعول عليها حقا في تقديم صورة مشرفة ومشرقة عن ثقافة البلد، وفئة مولعة حد الهوس بالأضواء وتسنم المنابر وتصدر صفحات الجرائد والمواقع والمنتديات، وكل ما يمكن توظيفه لتلميع صورهم وإبراز ذواتهم المتعطشة للشهرة والمجد غير المستحقين على الأرجح. ولشديد الأسف فإن الصوت الأعلى والحضور الأبرز كما هو واضح يبدو لأولئك الفارغين الذين تشمخ رؤوسهم كالسنابل الفارغة في حين تنحني رؤوس أولئك الممتلئين علما ومعرفة وإبداعا فيخال الجاهل بها وغير المحيط بما تكنه أنها فارغة والحقيقة هي عكس ذلك تماما. إن المثقف الحقيقي والناضج يترفع عن أن يطرح اسمه في سوق المزايدات الصحفية والتلهف على الحصول على بقعة له تحت الأضواء الساطعة، كما أنه يسمو بذاته عن الخوض في المهاترات والمعارك الدونكيشوتية الصغيرة التي تثير حوله من غبار الشهرة الزائفة ما تثيره عادة من صخب لا طائل من ورائه. إن المثقف الحقيقي والناضج يترفع عن أن يطرح اسمه في سوق المزايدات الصحفية والتلهف على الحصول على بقعة له تحت الأضواء الساطعة،وإذا كان لا بد من ضرب أمثلة لكي تتضح الصورة أكثر فإن فطنة القراء المتسمين بالوعي لا شك كفيلة بأن تدلهم على أسماء شريحة واسعة ممن ينتمون إلى الفئة الأولى، فليست هناك من حاجة لإيراد اسم أي واحد أو واحدة منهم. أما المنتمون إلى الفئة الثانية فيمكنني أن أورد هنا كمثال عليهم اسم المبدع والناقد الصديق عبد الله السفر الذي منذ أن عرفته على الصعيد الشخصي ومن قبل أن أعرفه عن قرب بسنوات وهو يمارس القراءة الواعية للنصوص الإبداعية التي حبرها الآخرون، خصوصا أولئك القريبين منه روحا وكيانا، حتى وإن شط بهم المكان ونأى بهم الزمان. وهو يفعل ذلك «بصمت» حسب توصيف الشاعر أحمد الملا، و «بحب» ، حسب توصيف الشاعر سعود السويدا، إن لم تخني الذاكرة. شخصيا، أعترف أنه دلني على العديد من الأسماء الجميلة إبداعيا على الصعيدين المحلي والعربي. كما لا يفوتني أن أذكر أن العديد من الشعراء الشباب ينظرون إليه- وإن أنكر هو ذلك- باعتباره عرابا لهم. انتهت الزاوية ولم ينته الكلام عن السفر.