في الوقت الذي بدأت القيادات الحاكمة في العالم الانفتاح على الشعوب وإجراء إصلاحات تستجيب للمتطلبات العصرية، ينكفئ زعماء عرب إلى استخدام الوسائل القديمة، بأسلوب يثير ليس غضب مواطنيهم وحدهم، وإنما يجلب سخط الرأي العام العالمي الذي يتطلع إلى أن يتخلص الإنسان في كل بقعة من الأرض من أغلال الديكتاتورية المقيتة التي تتحكم بها مصالح شخصية أو حزبية وآفاق ضيقة. وتشهد ثلاث دول عربية، هي ليبيا وسوريا واليمن، صراعاً ومآسي ما كان لها أن تعانيها لو جنح زعماؤها إلى صوت العقل والالتزام بعهد التضحية الوطنية. ولكنهم جنحوا إلى الحلول القديمة، الحلول العسكرية، وهي حلول لم تعد مجدية في عالم يعيش مرحلة جديدة من الاتصال التقني تتخطى الحواجز الحكومية القديمة. ومثل التاريخ تؤكد أن الشعوب إذا ما نهضت هي التي تقرر مستقبلها، والقوة العسكرية مناورة تكتيكية مؤقتة لن تصنع انتصاراً ولن تعيد العجلة إلى الوراء. وكان على قيادات الدول العربية المضطربة، إذا كانت مؤهلة للقيادة السياسية الحكيمة، أن تجنح إلى حلول وسطية ذكية، وما أكثرها، وألا تصادم التيار، ولكنها بدلاً من تتبع الحكمة الرشيدة، يبدو أنها استجابت لآراء مستشارين فاسدين قصيري النظر، لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، ولا تنقذ رقابهم إلا بمغامرة الحل العسكري التي يعلمون أن ليس لها حظ من النجاح في مقابل النهوض الشعبي العارم إلا القليل. لكن قصر نظرهم يزين لهم أنها الحل الأمثل. بينما الحكمة الرشيدة توجب منذ البداية عدم الاستخفاف بالنهوض الشعبي العام، وتوجب معانقته لا مصادمته. خاصة أن كثيراً من البلدان العربية وغير العربية قد أجرت قياداتها الحكيمة مبكراً إصلاحات وغيرت من أساليبها وتجاوبت مع الرأي العام، بقدر استطاعتها، فتجنبت بذلك سخط الرأي العام، وتجنبت اللجوء إلى الحلول العسكرية. لأنها تعلم أنها مغامرة قد تحرق كل شيء. ولزعماء الدول العربية المضطربة أسوة حسنة في مصر، فقد شهد المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الأعلى في مصر، أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لم يأمر باستخدام القوة ضد المحتجين، على الرغم من أنه ابن القوات المسلحة وتحت يديه قوة رادعة، ولم يأمر بتوجيه مدافع الدبابات والطائرات والصواريخ إلى معارضيه ولم يخرب مدناً ولم يقتل أطفالاً ولم يمثل بأجساد نساء وفتيان. ولكنه اختار أن يواجه الحقيقة ويجنب بلاده ومواطنيه حرباً خاسرة وإن مدت حياة النظام أسابيع أو أشهرا.