تفتحت عيناي عليه.. وفي يده كتاب.. فتعلّمت كيف أمسك بالكتاب.. أكانت الحياة عندنا يوم ذاك كتابا.. أكنا نجيد الامساك بكتاب.. أكان الخيار خيارنا أي كتاب؟! الحياة قراءة كتاب.. أم الكتاب قراءة حياة؟! قرأنا (الكتاب) وتعلمنا عبر كتاب الله قراءة كتب الناس في الحياة.. يوم كنا اطفالا كانت انوفنا تنكأ رائحة كتب (يعقوب) المتكدسة في زوايا البيت.. حتى تشابهت علينا الرائحتان رائحة يعقوب في الكتاب ورائحة الكتاب في يعقوب!! هكذا كنا نستمد أبجديات التمرد من كتب الناس.. وليس من كتاب الله!! إلا أننا نتناول شيئاً من بيان التغيير في كتاب الله.. وكتاب الناس.. وكنا نقيضي عقل ونقل .. وكان يوسف يومض فينا وبيننا عقلاً لا نقلاً.. فالكتاب نتناوله معقولاً لا منقولاً.. وكان يوسف يقول خذوه –يعني الكتاب– معقولاً لا منقولاً.. وكنا حالة كر وفر بين المعقول والمنقول في متن كتاب.. وكان يوسف يأخذ بيدنا من متن كتاب الى متن نشاط سياسي في الحياة من اجل الحياة.. سنوات ظالمة قاسية أكلت قلبه وامتصت دمه واستوى عوداً ولزم الصمت.. محتجاً على الصمت.. وراح يمارس صمت الموت في صمت ذاكرة لا تذكر ذاتها ولا ذات الآخر يوسف شعلة فكرية وطنية أممية تنويرية.. عندما أستعيد نشاطه وتضحيته وتفانيه وعمق انسانيته تجاه المحرومين والمعدمين في الأرض.. أستفيضه شقيقاً ورفيق درب يستعذب مر الحياة من أجل الحياة.. سنوات ظالمة قاسية أكلت قلبه وامتصت دمه واستوى عوداً ولزم الصمت.. محتجاً على الصمت.. وراح يمارس صمت الموت في صمت ذاكرة لا تذكر ذاتها ولا ذات الآخر.. في أغرب احتجاج لحب الحياة وتعلقه في الحياة.. فقد أفنى ثمرة روحه سنين طويلة مبشراً بنور الحياة.. وكان باذلاً بروحه ودمه وعرق فكره للحرية.. وكان يردد بيننا كلمة الحرية بالإنجليزية والألمانية والأندونيسية والهندية وغيرها من لغات العالم.. كأنه يريد أن يتباهى بحرية الوطن عبر حرية أوطان الدنيا في النضال من أجل الحرية.. أو كأنه يريد أن يشد من عزيمتنا.. يوسف أيها الصّديق الصادق الصدوق ستبقى ذاكرة باسلة طيبة طروبة للإنسانية.. فقد كنت نزيفاً فكرياً مشعاً وامضاً متجدداً فينا وبنا.. ولا يمكن أن تمر ذاكرة الخمسينات والستينات والسبعينات إلا وتكون عنصراً من طلائعها..وكان صواب تلك المواقف والأفكار في الحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والانطلاق بالمرأة في سماء العدل والمساواة.. هو ما نراه وبعد اكثر من نصف قرن طي هواجس الجميع.. وما يتشاكل في أبعاد ما يعرف بالربيع العربي.. سلاماً يوسف.. غبت يوسف.. طبت يوسف أيها الإنسان «النبيل» الذي كان يترسل وطنية الوطن بين أبناء الوطن!! سلاماً يوسف.. ما زلت في ذاكرة الوطن: ذاكرة المعمر والعوامي والعبدلي والزيد وكل الطيبين الطاهرين الذين ذهبوا الى دار الآخرة.. وفي قلوبهم شيء من رائحة حرية الوطن!! في العاشرة من ليلة الاربعاء الماضي كفّ قلب الرّمز الوطني يوسف الشيخ يعقوب عن الخفقان.. أسكنه الله فسيح جناته وألهم أهله وأصدقاءه وأحباءه ورفاق دربه الصبر والسلوان!!