يبدو أن الزعامات في الجمهوريات العربية أدمنت التحكّم في رقاب عباد الله، وأصيبت بأمراض غطرسة إلى درجة الإساءة إلى نفسها، وإلى شعوبها وأمتها. ففي وقت تسفك الدماء في ليبيا وينتشر الخراب والقتل العشوائي، لم يفكر العقيد معمر القذافي، في مخبئه، إلا بأن يرى المزيد من الدمار والمزيد من سفك الدماء، ليس لأي سبب آخر، سوى أنه لا يزال تتلبسه أوهام العظمة، وأنه محبوب الليبيين، بينما لم يقنعه أن معظم اراضي ليبيا، وأغلب الشعب الليبي قد هجره واعتبره من الماضي. ومع ذلك يجد العقيد في أوباش الوطن العربي من يسانده ويؤيده ويروّج لخطاباته وأطروحاته البائدة. وكان يمكن ألا تمتد ليالي الحزن في سوريا، ولا تتحوّل شوارع المدن السورية إلى مراجل اضطرابات ومعسكرات للدبابات وتجمعات لقوات الأمن والميليشيات المستعدة للقتل، لو تحلت القيادة السورية بشيء من العقل والحكمة، والتخلي عن السباحة ضد التيار ومصادمة الإرادة الشعبية.. خاصة أن الشعب السوري قد عقد العزم وقرر أن ينتقل إلى مرحلة أخرى لن يحكمه فيها حزب واحد يدّعي الوطنية بينما يصبّ غضبه على الوطن والمواطنين، ويدّعي الاستقلال والكرامة بينما يضع واحداً من أهم البلدان العربية في خدمة القوى الأجنبية وميليشياتها. ويبدو لكل ذي عين فاحصة أن السوريين لا ينوون العودة عن قرارهم وقد دفعوا من أجله أثمن الدماء. والثوار كل يوم يكسبون أرضاً جديدة ومؤيدين جدداً في الداخل وفي الخارج.. بينما مساحة المناورة تتقلص إلى حد خطير أمام حزب البعث الحاكم. وواضح أيضاً أن الثوار لا يثقون بالإصلاحات التي يعد النظام بتطبيقها، وهي، أي الإصلاحات، لم تخرج حتى الآن عن كونها تصريحات تليفزيونية بعد خمسة أشهر من سفك الدماء. ويبدو أنها قد تأخرت كثيراً إلا أنها قد تكون عديمة الفائدة عند تطبيقها.. وهذا ما حذر منه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته الشهر الماضي إلى الشعب السوري، وحثه القيادة السورية على إجراء الإصلاحات التي يطلبها السوريون كي لا تنحدر سوريا إلى مزالق يخسر فيها الجميع. وكان يمكن لليمن أن ينتقل بسلاسة إلى إدارة جديدة للبلاد، بعد أن ثبت أن معظم اليمنيين كانوا يتوقون إلى التغيير بهدف المضي قدماً في بلادهم إلى المستقبل. وحينما طرحت دول مجلس التعاون مبادرتها لحل الأزمة في اليمن، سنحت الفرصة الذهبية لحل مناسب يحفظ للقيادة اليمنية ماء الوجه، ويعطي لليمنيين مخرجاً من الأزمة. ولكن يبدو أن هناك مستفيدين لا يودون أن تصل اليمن إلى حل سريع، فتمت لخبطة الأوراق بعنف، وجعلت الأزمة اليمنية معلقة ومفتوحة على أخطر الاحتمالات. ولماذا تفاقمت الأزمات والمشاكل في الوطن العربي إلى أن أصبحت علاقات دم؟.. الجواب واضح وهو أنه حينما يغيب الرشد وتتسيّد الشلليات الحزبية المستفيدة من المشهد السياسي في أي بلد عربي، تلخبطت الأوراق وتحاول إشعال أعمال العنف والمواجهات والحرائق والأدخنة كي لا تظهر سوءاتها في ضوء الشمس.