منذ نهاية التسعينيات الميلادية، والرياضة السعودية تمر بحالة تردد وعدم ثبات. فبالرغم من بزوغ نجوم في عدد من الرياضات، ودخول شركات الاتصالات الكبرى مسرح الأحداث - وإن اقتصرت على بوابة كرة القدم - لكن مئات الملايين التي تضخها هذه الشركات بالإضافة إلى تضاعف قيم الرعاية التلفزيونية، واكبتها نكسة كبيرة على مستوى النتائج حتى أصبح كثير من الخبراء ينظرون لما حدث منذ بداية الألفية الجديدة باعتباره نكسة أو كارثة وطنية. قبل أن أدخل في الموضوع لا يمكن ألا نثمن لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد قراره الشجاع بالتخلي عن منصبه، بعد مرور سنوات عجاف في الإنجازات منذ نهاية التسعينيات واستمرار التدهور وعدم الثبات النسبي في النتائج عند الغالبية العظمى من الفرق والمنتخبات الرياضية السعودية. وللأمانة فإن صورة المواطنين، وهم يحمِّلون الإخفاقات لاتحاد الكرة عبر الفضائيات الخليجية، متخطين كافة الخطوط التي التزم بها المحللون الرياضيون، كانت بمثابة التعبير عن سخط عارم من نتائج التخطيط للرياضة؛ التي انتهت مؤخراً إلى التفريط في كافة المنجزات التي تحققت لها، وحتى أصبح المنتخب السعودي لكرة القدم ينافس نظيره الهندي في ذيل فرق القارة، التي تسيدها منذ منتصف الثمانينيات الميلادية. وفي الوقت نفسه لا يمكن الاعتقاد بأن تسلم صاحب السمو الملكي الأمير الشاب نواف بن فيصل المهمة سيغير الأحداث تماماً، دون أن يعاد النظر في مجمل التصورات المطروحة اليوم، والخطط المعمول بها. مشكلة الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً أنها تحتاج إلى إعادة هيكلة تنفض غبار الهرم البيروقراطي الحالي، لتتحول إلى كيانات مستقلة تخضع للإشراف والتقويم والمحاسبة، وليكون الاتحاد السعودي لكرة القدم منظومة مستقلة يديرها خبير كروي على رأس هيكل تنظيمي تنفيذي يتفرغ لتطبيق الخطط الإستراتيجية والتوجهات التي تقرها اللجنة الأولمبية أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب. هذه المنظومة ستمكن الرئيس العام لرعاية الشباب من منح الصلاحيات لجهة تنفيذية ذات استقلالية ، ثم مراجعة الأداء وفق المبادئ والتوجهات التي تعلنها الرئاسة، غير أن هذه التوجهات أيضاً يجب أن تصاغ من قبل جهة تشريعية ذات خبرة على غرار اللجنة التي تم تشكيلها من الخبراء، ويمكن تطبيق هذه الآلية مع كافة الاتحادات الرياضية ، ما سيفتح آفاقا لخبراء اللعبة لتولي المناصب العليا شريطة حصولهم على مؤهلات إدارية و قدرات قيادية، وتمتعهم بسعة الأفق. من وجهة نظري فإن هذه المزايا ستعيد نسج الهوية لرياضتنا من جهة، ومن جهة أخرى سنخرّج كوادر إدارية قادرة على ترؤس الاتحادات الإقليمية أو القارية وحتى الدولية على غرار ما يعمل عليه العديد من دول العالم وحتى بعض دول المنطقة. ولننتقل خطوات إلى الأمام يجب علينا بداية تحليل الموقف، ومن ثم الاعتراف بأن ما يحدث في مجال الرياضة كارثة وطنية، فهي تتعدى النكسة في مجال الرياضة إلى ترسيخ صورة مهزوزة، غير واثقة أو قادرة على مجاراة الآخرين، والغريب أن النتائج الكبيرة التي تحل بمنتخب كرة القدم في المشاركة العالمية وغياب الروح والأداء، ظاهرة تتفاقم بعد مشاركة رائعة تدعو للفخر منتصف تسعينيات القرن الماضي. بل إن الأغرب أن الإنجاز الذي تحقق في مونديال 94 ميلادية لم يحقق أثره ولم تجن الكرة السعودية ثماره، خلافاً لما يحدث في الدول الأخرى التي تضع خططها المدروسة بواقعية على غرار ما يحدث اليوم في شرق آسيا على سبيل المثال. أخيراً تبقى الإخفاقات بمثابة الصعقة الكهربائية التي ربما تعيد الحياة إلى جسد أرهقته المتاعب، ولعل رجل المرحلة الجديدة يبدأ بتفكيك المناصب والصلاحيات المتشابكة، ليعود البريق لرياضتنا ليس فقط لتكون مصدر فخر للمواطن، بل لتكون الإنجاز الملهم لإنجازات أخرى بإذن الله .. تحياتي.