تعهد رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة المستشار احمد رفعت بمحاكمة عاجلة وعلنية للرئيس المخلوع حسني مبارك المقرر أن تبدأ الأربعاء، فيما أعلنت وزارة الداخلية المصرية انتهاء إجراءات إحضار مبارك من مستشفى شرم الشيخ حيث يقبع للعلاج إلى قاعة المحكمة المقرر أن تعقد في أكاديمية الشرطة في ضاحية التجمع الخامس في شرق القاهرة. وفي غضون ذلك حصل انقسام بين المحتجين في ميدان التحرير حول تعليق الاعتصام موقتاً خلال شهر رمضان فيما وقعت اشتباكات بين معتصمين وأصحاب محال تجارية في ميدان التحرير عندما حاول هؤلاء فتح الميدان أمام حركة السير الأمر الذي رفضه المعتصمون. وقال المستشار رفعت في مؤتمر صحافي إن محاكمة الرئيس السابق ستشهد جلسات يومية لحين استكمالها، موضحاً أن جلسات المحاكمة ستثب مباشرة على التلفزيون المصري لطمأنة الناس إلى صدقية العملية القضائية. ويأتي التصريح رداً على المخاوف التي تتردد على نطاق واسع من أن تبدأ المحاكمة ثم ترجأ لأجل طويل. وأكد المستشار إن «المحكمة ستسمح بنقل وقائع جلسات المحاكمة على الهواء مباشرة من خلال التلفزيون المصري (الرسمي) وحده ومن دون غيره، والذي سيسمح لكاميراته وحده بالدخول وبث وقائع الجلسة». وأوضح أن «هذا الإجراء قررته المحكمة حتى تتاح الفرصة كاملة لكل الشعب المصري متابعة وقائع المحاكمة وجلساتها»، مشيراً إلى أنه المحكمة تؤمن تمام الإيمان بحق المصريين للاطمئنان من إجراءات محاكمة المتهمين. وأشار المستشار إلى أنه «تم وضع مجموعة من الضوابط الخاصة بحضور جلسات المحاكمة، على أن يتم السماح لفئات: المدعين بالحقوق المدنية (أسر القتلى والمصابين والمتضررين) أو من ينوب عنهم، وهيئة الدفاع عن المتهمين وأسرهم من الدرجتين الأولى والثانية فقط، علاوة على ممثلي الصحافة ووسائل الإعلام المصرية والعربية والأجنبية، على أن يتم السماح للفئة الأخيرة (الصحافة الأجنبية) بالحضور بموجب خطاب رسمي مصدق عليه من الهيئة العامة للاستعلامات». ومن المقرر أن يمثل مبارك للمحاكمة إلى جانب نجليه علاء وجمال ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي وستة من نوابه كما يحاكم رجل الأعمال المتهم حسين سالم غيابياً. ويواجه المتهمون اتهامات بالفساد، وبإصدار أوامر بقتل المتظاهرين ضد النظام خلال الانتفاضة التي أطاحت مبارك ما بين شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير). وتشكك أوساط شعبية في إمكان حضور الرئيس المخلوع، ويخشى كثيرون من استخدام المحامين مرض مبارك للحؤول دون مثوله أمام المحكمة. إلى ذلك، نبه عضو المجلس العسكري اللواء محسن الفنجري، في مؤتمر صحافي أمس، إلى «وجود بعض الأمور تجذب مصر إلى الخلف» إلا انه لم يفصح عنها، وشدد على أن الجيش «لن يسمح بذلك لأن مصر هي ملكنا جميعاً وليست ملك طائفة، ومطلوب أن نتكاتف لبنائها وزيادة الإنتاج». وأقر مجلس الوزراء المصري أمس تقريراً لوزير الداخلية منصور العيسوي تضمن إجراءات وزراته لإحضار الرئيس السابق مبارك إلى القاهرة لحضور جلسة المحاكمة المقرر لها الأربعاء المقبل. وأفيد أن تنسيقاً حصل بين الجيش ووزارة الداخلية في هذا الشأن بعدما تلقى الوزير العيسوي خطاباً أمس من النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، طالبه فيه بإحضار الرئيس السابق للمثول أمام المحكمة في 3 آب (أغسطس) المقبل. وقال الناطق باسم الحكومة المصرية محمد حجازي إن مجلس الوزراء يدعم ترتيبات وزارتي الداخلية والصحة لتنفيذ الترتيبات اللازمة لإحضار مبارك. وتنعقد محاكم الجنايات في مصر فترة أسبوع من كل شهر، غير أن الطبيعة الاستثنائية لمحاكمة مبارك، ورغبة المحكمة في سرعة الفصل في القضية، وبعد مشاورات جرت مع رئيس محكمة استئناف القاهرة، تقرر عقد المحاكمة على وجه الاستمرار. ووصف نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» عصام العريان محاكمة الرئيس السابق مبارك ب «محاكمة القرن»، مؤكداً أن «الجميع يريدها علنية وشفافة لتنكشف كل أسرار عصره وأركان نظامه البائد»، معتبراً أن محاكمة مبارك «درس لمرشحي الرئاسة القادمين ليعرفوا مصير كل من يحاول التعدي على حرية الشعب والانفراد بالسلطة». وقال العريان، خلال مؤتمر جماهيري لحزبه «العالم كله ينتظر محاكمة مبارك الذي يملك خبايا عن حكم مصر داخلياً ودورها خارجياً وعربياً خصوصاً أنه كان أكبر حليف لأميركا وكان يمثل كنزاً استراتيجياً لها، وبالطبع فالإدارة الأميركية تريدها محاكمة كمحاكة صدام حسين الذي أعدم بأسرار دولته حتى الآن». في غضون ذلك أصدرت 26 حركة وحزباً سياسياً بياناً مشتركاً أعلنت فيه تعليق اعتصامها في ميدان التحرير في القاهرة وميادين مصر عموماً طيلة شهر رمضان الكريم بشكل موقت، مع التأكيد على العودة مرة أخرى عقب عيد الفطر المبارك للاعتصام السلمي حتى تتحقق كل أهداف الثورة. لكن المعتصمون كشفوا عن نيتهم إطلاق فعاليات متنوعة مع بداية الشهر الكريم للضغط من أجل تحقيق باقي الأهداف والتي يأتي على رأسها مطالب أهالي الشهداء والمدنيين المحاكمين عسكرياً. وذكروا في بيان لهم أن من هذه الفعاليات خيمة «الثورة الرمضانية اليومية» التي سيتم تنظيم أمسيات توعية وتثقيف وتضامن فيها لدعم حقوق أهالي وأسر الشهداء. وأضاف البيان «لكن إيماناً منا بأن الاعتصام وسيلة وليس غاية، قررت الأحزاب السياسية والمجموعات الشبابية تعليق اعتصامها بشكل موقت طيلة شهر رمضان». وأكد الموقعون على البيان انهم سيعودون «مرة أخرى عقب عيد الفطر المبارك للاعتصام السلمي بميدان التحرير حتى تتحقق كل الأهداف التي فجرت ثورتنا العظيمة». وكان المحتجون الذين خرجوا أولاً إلى الشوارع مطالبين بتنحية مبارك قد استمروا في الاحتجاج مطالبين بسرعة محاكمة أقطاب النظام السابق المتهمين بالفساد وإساءة استغلال السلطة وإعادة توزيع الثروة. وكان المشير حسين طنطاوي، قائد المجلس الأعلى الحاكم للقوات المسلحة، والذي عمل أمداً طويلاً وزيراً للدفاع تحت إمرة مبارك، تعهد في كلمة متلفزة بضمان نظام عادل عبر انتخابات نزيهة وإقرار دستور جديد. وفي محاولة لتهدئة انتقادات المحتجين قرر المجلس الأعلى العسكري رفع التعويضات المقررة لأسر الشهداء من خمسة آلاف جنيه (حوالي 900 دولار) للشهيد إلى 30 ألف جنيه وسرعة صرفها. كما رفع قيمة التعويضات الخاصة بالمصابين طبقاً لدرجة الإصابة. وكان اللواء الفنجري أكد في مؤتمر صحافي أمس أن إجراءات تكريم الشهداء مستمرة ولن تتوقف وأن دماء كل شهيد ضحى بحياته لإنجاح الثورة تتطلب بذل كل جهد لتكريم هؤلاء الأبطال، وأعلن أن المجلس العسكري خصص 100 مليون جنيه من القوات المسلحة لتمويل المعاشات وسداد مبالغ التعويض المقررة، وطالب بتضافر الجهود لإنجاح عمل صندوق رعاية ضحايا الثورة وصرف التعويضات والمعاشات.