لا يمكن أن يزعم عاقل بأن للشيطان فوائد، ولكن لا يخلق الله سبحانه وتعالى شيئا عبثاً، والشيطان من خلق الله، وهذه معادلة (شيطانية) تستحق التفكير .. !! هناك الكثير من الناس تعتمد وظائفهم على وجود الشيطان، فإذا مات الشيطان وانتهى انتهت مهماتهم وخسروا وظائفهم، ومن ضمن هؤلاء ذلك القسيس الذي يتحدث عنه الأدب الروسي القديم، فهو قسيس محافظ لدرجة التشدد، يسكن في إحدى قرى سيبيريا.. كان يخطب في جمهور كنيسته ويشعرهم بالرّعب من الشيطان وخبثه، وكانت محاور أحاديثه الأساسية تتمحور حول التحذير من الشيطان، كان يقول لهم: الأطعمة اللذيذة يسكنها الشيطان، والاعتداد بالنفس غرور وهو من صنع الشيطان، والفرح والسرور أيضا من صنعه، ويقول لهم: كونوا حزانى، كونوا تعساء تتقوا شره، ويقول لهم : إن كل أنواع الفنون الجميلة من حيل الشيطان ليصْرف الناس عن العبادة، فابتعدوا عنها.. وظل أهل القرية يذهبون إلى الكنيسة في كل يوم أحد ولسنوات طويلة، وما أن يخرجوا منها إلا وهم يشعرون بالخوف والفزع والرعب من ذلك الشيطان الرجيم القادر على التسلل إلى كل مناحي حياتهم، وذات يوم كان القسيس يعبر الغابة سيراً على الأقدام متجهاً إلى منزله بعد أن شحن الناس بمواعظه، وفوجئ بشخص يخرج له من بين الأشجار ويقدم له نفسه قائلا: اسمح لي أن أعرفك بنفسي يا سيدي.. أنا الشيطان. تجمدت الدماء في عروق القسيس واقشعرّ بدنه رعباً، ولكنه تمالك نفسه وصرخ فيه قائلا: ابعد عني يا ملعون . فقال الشيطان: مهلاً يا سيدي .. هل تعتقد أنني قادر على إغوائك ؟! .. أنا اعرف مدى تحصنك وصلابتك، ومدى كراهيتك لي.. صدقني يا سيدي إنني أشعر بالوحشة في هذه الغابة.. أرجوك اسمح لي بالسير معك . وافق القسيس على طلب الشيطان، على الأرجح خوفاً من مكره وقدراته الشيطانية، ولكنه في الوقت نفسه أخذ يستعيذ منه بالله في سره..، وأثناء السير سقط الشيطان فجأة في حفرة عميقة، وعجز عن أن ينشب مخالبه ليتسلق ويخرج من الحفرة . هذه الحكاية ربما تكون خيالية، ولكنها تدعمنا في الانتقال من الانغلاق إلى الانفتاح ومن الجمود إلى النشاط، ومن الحجْر على العقول إلى استنفار أقصى طاقاتنا الفكرية لنحقق النهضة لمجتمعاتنا كما حققتها شعوب الدول المتقدمة التي تبنّت الفكر الفلسفي ونجحت أيما نجاح، فالنهضة لا تأتي إلا بانفتاح أفراد المجتمع واندفاعهم نحو الازدهار دون استسلام لقيود الماضي ومعوقاته.فقال للقسيس متوسلاً: ساعدني يا سيدي.. أرجوك .. أنقذني . ضحك القسيس منه في سخرية وقال له: أنا أساعدك!.. أنا أساعد الشيطان؟!.. هذه فرصة لا تعوّض لتخليص البشر منك ومن خبثك وشرورك.. سأتركك تموت هنا وتتعفن في هذه الحفرة. قال له الشيطان في لهجة جادة: وعندما أموت أنا.. ماذا ستفعل أنت؟!.. ماذا ستكون وظيفتك؟!.. وما عساك أن تقول للناس في مواعظك؟! .. بعد أن أموت أنا، كيف ستكسب عيشك؟! ماذا سيحدث عندما يعرف الناس أن الشيطان الرجيم قد مات ؟!.. هل سيترددون على كنيستك لسماع مواعظك؟!.. انقذني يا سيدي إذا أردت أن تحافظ على وظيفتك ورفاهية العيش الذي تعيشه ! . حجّة الشيطان كانت صاعقة وقوية على القسيس، ولكنه قاوم كلمات الشيطان المعسولة، وقال: سأحدثهم في موضوعات أخرى. قال الشيطان في هدوء: ماهي يا سيدي؟!.. هل ستحدثهم عن أهمية الزراعة بالتنقيط ؟ أم ستحدثهم عن تقنية النانو والاستنساخ والبحث العلمي؟!.. أنت يا سيدي متخصص فقط في تذكير الناس بي في الليل وفي النهار .. ثم إنك لا تجيد أي حرفة أخرى.. من فضلك فكر جيدا.. لا حياة لك بدوني.. ساعدني لتستمر في العيش الرغيد .. أخرجني من هذه الحفرة.. أنقذني . بالرغم من كراهية القسيس الفظيعة للشيطان غير أنه كان ذكياً وواقعياً، وبعد أن فكر وحسب الحسابات والرّبح والخسارة، مد يده للشيطان وأخرجه من الحفرة، وسارا معا يعبرون الغابة. ! بعض المعادلات تفسح المجال لتحرك الفكر الفلسفي الذي يخشى البعض منه، ولكن قد يأتي الخير .. كل الخير منه، ونحن نخاف أو ربّما نكره الخوض في بعض الأمور التي تحرك الفكر الفلسفي، ولكن قد يكون وراء ما نكره الخير الكثير، فالله تعالى قال في محكم كتابه (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) – البقرة – آية 216 - هذه الحكاية ربما تكون خيالية، ولكنها تدعمنا في الانتقال من الانغلاق إلى الانفتاح ومن الجمود إلى النشاط، ومن الحجْر على العقول إلى استنفار أقصى طاقاتنا الفكرية لنحقق النهضة لمجتمعاتنا كما حققتها شعوب الدول المتقدمة التي تبنّت الفكر الفلسفي ونجحت أيما نجاح، فالنهضة لا تأتي إلا بانفتاح أفراد المجتمع واندفاعهم نحو الازدهار دون استسلام لقيود الماضي ومعوقاته. [email protected]